"شمس": جريمة الإعدام الميداني بحق الشابين "عبد الله" و"عصاعصة" تعبير عن إرهاب الدولة المنظّم
أمد/ رام الله: أدان مركز حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس"بأشد العبارات جريمة الإعدام الميداني التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق اثنين من المواطنين الفلسطينيين، وهما الشاب المنتصر بالله محمود عبد الله (26) عاماً والشاب يوسف عصاعصة(37) عاماً في منطقة جبل أبو ظهير في مدينة جنين وإعدامهم من مسافة الصفر يوم الخميس 27/11/2025، هي واحدة من أكثر الجرائم وضوحاً وفجاجة في دلالاتها على الانهيار الأخلاقي والعسكري للاحتلال، وعلى حجم التوحش الذي تمارسه قواته في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويؤكد المركز أن ما جرى لا يمكن النظر إليه باعتباره "حادثاً طارئاً" أو "تجاوزاً فردياً"، بل هو إعدام بدم بارد، وجريمة مكتملة الأركان تُضاف إلى سجل طويل من الانتهاكات الممنهجة، وتعبير مباشر عن إرهاب دولة منظم يسعى لإشعار الفلسطينيين بأن حياتهم يمكن أن تُنتزع في أي لحظة ودون أي محاسبة.
وشدد مركز"شمس" على أن هذه الجريمة تعكس عقيدة أمنية إسرائيلية قائمة على استسهال القتل، واعتماد إطلاق النار المباشر كوسيلة أولى لا كخيار أخير، وهو ما نراه بوضوح في حالات القتل السريع، وفي استخدام الذخيرة الحية بطريقة تظهر أن الاحتلال لا يتعامل مع المدنيين كأشخاص يملكون الحق في الحياة، بل كأهداف متحركة. هذا السلوك الميداني المتكرر يومياً يؤكد أن حياة الفلسطيني باتت في نظر الاحتلال "قابلة للإلغاء"، وأن الصمت الدولي المستمر يمنح الجنود مساحة مطلقة للقتل دون خشية من تحقيق أو محاسبة، وكأن الفلسطيني مجرد رقم إضافي في قائمة ضحايا لا تجد من يدافع عنها بجدية.
وأكد مركز"شمس" أن الجريمة تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، وبالذات لمبدأ حظر الإعدام خارج نطاق القضاء الذي لا يسمح بأي استثناء. فالمواد الأساسية في اتفاقية جنيف الرابعة واضحة في منع استهداف المدنيين، وتحديداً المادة (27) التي تشدد على احترامهم وصون حياتهم وكرامتهم. كما تُعتبر هذه الجريمة مخالفة خطيرة للمادة (32) التي تحظر التسبب بأي معاناة جسدية للأشخاص المحميين، وللمادة (33) التي تحظر العقاب الجماعي، مما يجعل الجريمة تصنيفاً قانونياً واضحاً ضمن جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية التي تستوجب المحاسبة أمام القضاء الدولي.
وأضاف مركز"شمس" أن الاحتلال الإسرائيلي يتصرف كمنظومة عسكرية تنظر إلى المدني الفلسطيني باعتباره "هدفاً مشروعاً" حتى لو كان أعزل، وهو ما تؤكده سياسة "القتل دون مواجهة"، والاستخدام الواسع للرصاص الحي، ومنع الطواقم الطبية من الوصول إلى المصابين. هذه السياسة تتجاوز كونها ممارسات ميدانية، لتشكل بنية كاملة يجري تكريسها على المستوى السياسي والقانوني داخل إسرائيل، حيث تتحول الفتاوى التحريضية والتصريحات الرسمية إلى غطاء مباشر يشرعن القتل ويسقط أي فرصة لتحقيق مستقبلي.
وأكد مركز "شمس" أن جريمة الإعدام الأخيرة هي جزء من واقع أصبح فيه الموت فعلاً يومياً يمارسه الاحتلال دون خشية، ولكن المركز يشدد على أن توثيق هذه الجرائم، وتقديمها للمحافل الدولية، ورفع صوت الضحايا، هي خطوات لا بد منها لكسر حلقة الإفلات من العقاب. ويجدد المركز دعوته للمجتمع الدولي بأن يتحرك بشكل فعّال، لا أن يكتفي بإصدار بيانات شكلية، لأن حياة البشر لا تُحمى بالشجب، بل بالإجراءات التي توقف الجريمة وتمنع تكرارها.
وقال مركز"شمس" أن الحادثة الأخيرة لا تختلف عن عشرات الوقائع التي وثقها المركز شهرياً، والتي تشمل إعدام شبان على الحواجز، أو إطلاق النار على مركبات دون مبرر، أو ترك مصابين ينزفون حتى الموت. هذه الممارسات لا يمكن فهمها إلا في إطار سياسة ممنهجة هدفها خلق حالة من الردع والإذلال تجاه الفلسطينيين، وإرسال رسالة مفادها أن القوات الإسرائيلية ليست ملزمة بأي قواعد أو قوانين، وأنها تمتلك السلطة الكاملة لسلب الحياة متى شاءت.
وحذر مركز"شمس" من استمرار الإفلات من العقاب، فغياب الرادع يشجع الاحتلال على الاستمرار في استخدام القوة القاتلة. الصمت الدولي، والاكتفاء ببيانات التعبير عن "القلق"، يمنح الاحتلال ضوءاً أخضر لمزيد من القتل والانتهاكات. وقد أثبتت السنوات الماضية أن عدم فتح تحقيقات دولية مستقلة يشجع على تكرار الجريمة، ويجعل من حياة الفلسطينيين سلسلة مستمرة من المخاطر اليومية التي يحميها فقط القانون الدولي على الورق، لا على الأرض.
وقال مركز"شمس" أن الجريمة الأخيرة تشكل جزءاً من منظومة أوسع تُعيد إنتاج نظام فصل عنصري شامل، حيث تفرض سياسات تمييزية تقوم على نزع إنسانية الفلسطيني، وممارسة السيطرة بالقوة، ومنع الحركة، وهدم المنازل، واحتجاز الجثامين، ومنع العلاج، وإصدار الأوامر العسكرية التي تتيح للجنود استخدام القوة القاتلة دون مساءلة. وتؤكد التقارير الحقوقية المحلية والدولية أن هذا النظام بات واقعاً عملياً يُطبَّق على الأرض، ولم يعد مجرد توصيف سياسي أو حقوقي.
وفي ضوء ما سبق، دعا مركز"شمس" إلى فتح تحقيق دولي مستقل وجاد في جريمة الإعدام الميداني الأخيرة، باعتبارها جريمة حرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وطالب بإحالة الملف إلى المحكمة الجنائية الدولية دون تأخير. كما يؤكد ضرورة تحرك مجلس حقوق الإنسان والأجهزة الأممية لاتخاذ خطوات فعلية، تتجاوز حدود الإدانة اللفظية، لأن استمرار جرائم الإعدام الميداني بهذا الشكل يؤكد أن الاحتلال يستفيد بشكل كامل من غياب الردع الدولي.
وطالب مركز "شمس" المجتمع الدولي باستخدام أدوات الضغط السياسي، ووقف الدعم غير المشروط للاحتلال، ومراجعة أي علاقات عسكرية أو أمنية تساهم في تمكين الجيش الإسرائيلي من ارتكاب مزيد من الجرائم بحق المدنيين. كما شدد على ضرورة توفير حماية دولية للمدنيين الفلسطينيين .كما طالب المركز بإدراج ملف الإعدامات الميدانية ضمن الملفات ذات الأولوية في الأمم المتحدة، وتشكيل لجان تقصٍّ خاصة تجمع الأدلة وتوثق الشهادات وتقدمها للجهات القضائية الدولية. وقال المركز إن غياب الردع الدولي هو السبب الرئيسي وراء انفلات الجنود، وإن الاحتلال لا يفهم إلا لغة الحزم القانوني والسياسي، ولا يمكن أن يتوقف عن ارتكاب الجرائم طالما أن تكلفة الجريمة أقل من تكلفة التوقف عنها.
