ولابد أن نتخلص منها

كاسيف: طغيان حكومة نتنياهو يكمّ الأفواه داخل الكنيست وخارجه

تابعنا على:   20:15 2024-11-30

أمد/ لندن: منذ استخدمت مصطلح "إبادة جماعية" تمت معاقبتي. ولكن الأمل في السلام والعدالة يجب أن يظل حيا في إسرائيل وفلسطين. كما كتب عوفر كاسيف في صحيفة "الغارديان" يوم السبت:

لقد فاجأت مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الجيش السابق يوآف غالانت أشخاصا كثر في المجتمع الدولي. فكيف يمكن لدولة ديمقراطية دستورية، مقيدة بسيادة القانون، وقضاء مستقل، أن تنتهك القوانين والأعراف الدولية إلى هذا الحد الخطير؟

ويضيف، ولكن أولئك الذين راقبوا برعب وصدمة الإبادة الجماعية التي حدثت على مدى العام الماضي لم يكونوا في حاجة إلى كشف من جانب المحكمة الجنائية الدولية لمعرفة مدى جرائم الحرب والفظائع التي ارتكبت في غزة. ولا شك أن الفلسطينيين، في أنقاض غزة التي تعرضت للقصف، أو الضفة الغربية المحتلة، أو القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل بشكل غير قانوني، لم يفاجئوا.

وقال، فعلى مدى عقود من الزمان، حُرم جيل بعد جيل من الفلسطينيين من حقوقهم وحرياتهم الأساسية تحت رعاية الاحتلال الإسرائيلي. وبالنسبة لهم، فإن فكرة سيادة القانون الإسرائيلي سخيفة مثل أي محاولة استعمارية لإضفاء الشرعية على الطغيان من خلال الشرعية الجوفاء.

والآن تستخدم حكومة إسرائيل نفس المفهوم الفارغ للشرعية ــ لتبرير قتل أعداد كبيرة من الفلسطينيين في غزة، واستهداف المستشفيات والمراكز الطبية، ومنع توزيع المساعدات الإنسانية، وطرد سكان شمال غزة بالقوة. وعندما يتم استخدام المجاعة والحرمان من الضروريات الأساسية للحياة البشرية كأسلوب من أساليب الحرب لأكثر من عام، فما الكلمة الأخرى التي يمكن استخدامها لوصف هذا الواقع غير الإبادة الجماعية؟

وفي الوقت نفسه، هناك حملة تطهير عرقي مستمرة تتكشف في الضفة الغربية، حيث طُردت أكثر من 20 تجمعا سكانيا بالقوة وسط مستويات متصاعدة من عنف المستوطنين. وفي هذا الصدد، فإن أوامر المحكمة الجنائية الدولية قليلة للغاية ومتأخرة للغاية.

ولم يفاجأ الفلسطينيون، ولكن الحقيقة أن الإسرائيليين لم يفاجئوا أيضا. فنحن نقرأ ونرى تصريحات الحكومة الإسرائيلية، دون فلترة أو ترجمة. ونعلم أن كبار الوزراء احتفلوا بقتل الأبرياء بينما أعلن آخر عن خطته لإفراغ أكثر من نصف السكان من أجل إفساح المجال للمستوطنات اليهودية في غضون السنوات القليلة المقبلة.

وعندما تحدثت أنا، عضو الكنيست، ضد هذه الجرائم في البرلمان، عوقبت بقسوة. وأنا أقضي حاليا عقوبة الإيقاف عن ممارسة أي أنشطة برلمانية لمدة 6 أشهر لاستخدامي مصطلح "الإبادة الجماعية". وقد ذكرت لجنة الأخلاقيات أنها توصلت إلى القرار على أساس استخدامي لمصطلح "الإبادة الجماعية" ومعارضتي لجرائم الحرب المزعومة التي ارتكبت في غزة.

في ديستوبيا البرلمان الإسرائيلي التي تشبه روايات جورج أورويل، يُنظَر إلى أولئك الذين يحتفلون بجرائم الحرب باعتبارهم أبطالاً، في حين يُضطهد أولئك الذين يكافحون من أجل العدالة باعتبارهم خونة. والعقاب الذي أتلقاه هو استمرار للاضطهاد السياسي الذي يتعرض له معارضو الحرب القذرة ومنتقدو حكم نتنياهو الدموي.

ولست وحدي في معارضة طغيان نتنياهو. ذلك أن المعارضة السياسية المتسقة داخل إسرائيل ذاتها، والتي تتألف من يهود ديمقراطيين ومواطنين عرب، تجد أن فكرة الديمقراطية في إسرائيل تحت حكم نتنياهو سخيفة أيضا. فالديمقراطية في إسرائيل لم تكن موجودة حقا قط، وذلك بسبب تعريف دولة إسرائيل بأنها مفهوم عرقي، يتناقض مع المساواة السياسية.

إن الدولة التي تعلن بموجب قوانينها الأساسية تفوق مجموعة سياسية على أخرى لا يمكن اعتبارها ديمقراطية، بل دولة عرقية. فمنذ تأسيسها، كانت إسرائيل تنتهج سياسات تمييزية تجاه مواطنيها الفلسطينيين في جميع مجالات الحياة ــ الإسكان، والتوظيف، والرعاية الاجتماعية، والتعليم. وحتى قانون الحقوق الإسرائيلي المفترض، القانون الأساسي: الكرامة والحرية الإنسانية، لا يجرؤ على ذكر الحق في المساواة.

ولكن حكومة نتنياهو الحالية تتميز عن سابقاتها بأنها لا تتظاهر بالتمسك بأي وهم بالديمقراطية. فهي تتألف من أسوأ ما في المجتمع الإسرائيلي، المزيد من الوزراء الأشرار، والمزيد من المتعصبين العنصريين، والمزيد من المتعصبين المجرمين. "يمتلك الشعب اليهودي الحق الوحيد غير القابل للتصرف في كامل مملكة أرض إسرائيل، أرض إسرائيل، وستقوم الحكومة بتطوير المستوطنات في جميع أجزائها، بما في ذلك يهودا والسامرة"، هذا ما جاء في النقطة الأولى من اتفاق تشكيل الائتلاف.

لقد قمنا أنا وبعض زملائي بإدانة هجوم 7 أكتوير بأشد العبارات قسوة. لقد قلنا إن لاشيء يبرر هجوم حماس، ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن لتلك الهجمة الرهيبة أن تبرر الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.

وفي الوقت الحاضر، تعمل حكومة إسرائيل على صياغة دولة أكثر تماسكا وعنفا وعنصرية مع مرور كل يوم. وتحت ستار مكافحة الإرهاب، يتم تمرير التشريعات التي تهدف إلى تقليص المجال الديمقراطي بسرعة متسارعة. ويتم استهداف المعلمين والأكاديميين والطلاب والصحافيين والعمال، ويتم فرض الرقابة عليهم وإسكاتهم. ويجري حاليا صياغة مشروع قانون خاص لمنع الأحزاب التي يشكل المواطنون العرب في إسرائيل غالبية سكانها من المشاركة في الانتخابات الوطنية.

إن المستوطنين المتعصبين ينتظرون الضوء الأخضر لإعادة احتلال قطاع غزة، بل ويخوضون حملات خارج حدوده دون أي تدخل من جانب أجهزة إنفاذ القانون. ويتركز الفلسطينيون في جيوب أصغر فأصغر تستهدفها قوة عسكرية أثقل فأثقل. والآن تجري "الخطة الحاسمة"، التي وضعها في البداية عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، في حين يسعى نتنياهو إلى تحقيق حلمه بأن يكون أول رئيس وزراء إسرائيلي منذ عقود يوسع أراضي الدولة. ومن أجل تحقيق هذه الخطة، فهو على استعداد لإغراق المنطقة بأكملها في أنهار من الدماء، من اليهود والعرب، من الإسرائيليين والفلسطينيين. وتضحي حكومته بالرهائن ولا ترى أي خطأ في التخلي عن كل أمل في وقف إطلاق النار الكامل والسلام.

ولكن لابد أن نستمر في الإيمان بإمكانية تحقيق السلام العادل وأن نعمل على تحقيقه. فبمجرد أن يشعر الناس بأن الحرية والعدالة قريبان، فإنهم يميلون إلى رفض التعصب والعنف وتبني حلول أكثر عقلانية وسلمية. وعلى هذا فإن الصراع الأكثر مرارة يمكن أن ينتهي.

ولابد أن نحافظ على الأمل في إسرائيل وفلسطين أيضا، ولكن ينبغي لهذا الأمل أن لا يعمينا عن الواقع المظلم الذي نعيشه اليوم. ولابد وأن يفهم المجتمع الدولي أن دعم حكومة إسرائيل يتعارض مع دعم شعب إسرائيل.

إن حكومتنا هي أكثر ما نخشاه، ولابد وأن نتخلص منها. وإذا كنتم حقا ترغبون في تحقيق الأفضل للفلسطينيين والإسرائيليين، فعليكم أن تسلحونا بوسائل السلام والحرية، وليس الحرب والدمار.

أخبار ذات صلة

اخر الأخبار