بين عسكرة أطفال فلسطين.. وسلميتهم

تابعنا على:   11:57 2023-02-19

أمد/ دائما.. ما يرافق رد الفعل المسلح الفلسطيني خاصة بعد انتهاء انتفاضة الاقصى عام 2000، حالة ابتهاج تعم الشعوب العربية، وعندما توغلت وسائل التواصل الاجتماعي وغزت حياتنا، أصبحنا نتلمس هذه الحالة من خلال ما يتسابق عليه "الجموع العربية" من أجل تأييد هذه الافعال المسلحة الانتقامية ضد المحتل ذي الصبغة الارهابية.. وصاحب الامكانيات المادية والعسكرية والتكنولوجية.

وبشكل مباشر؛ أطرح سؤالا واقعيا: هل أفلس الشعب الفلسطيني على انتاج مناهج جديدة لمقاومة الاحتلال، وأصبح يعتمد على أطفال لتحقيق أهداف انتقامية لا تخدم المشروع السياسي والوطني الفلسطيني، وهل انجرت الفصائل ليقودها الشارع الفلسطيني بأهوائه وأمزجته غير المنطقية في كثير من الاحيان بحثا عن شعبية أو استمرار لذكر اسم بعضها في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؟

من الطبيعي ان يتأثر شرائح المجتمع الفلسطيني الذي يعاني صمت العالم وخنوعه امام جبروت وظلم الاحتلال.. بحالة التأييد والابتهاج التي أصبحت سمة الشعوب العربية التي لا تفعل شيئا..، لكن بالحقيقة ان هذه الافعال المسلحة والتي يطلق عليها اسم "عمليات مقاومة"، والتي تتسم بفردية الطابع وعشوائية الهدف.. لا تؤسس لحالة نضالية ثورية تخدم القضية الفلسطينية بالمجمل بل تساهم بزيادة حالة عدم التوازن في المنظور العسكرية بين "دولة احتلال" لها جيش يعتبر من اقوى الجيوش في المنطقة وبين "شعب أعزل" لا يملك الا اسحلة من النوع الخفيف والتي  تُعتبر لا شيء امام أنظمة التسليح لهذا الكيان، ولا تشكل أي تهديد حقيقي له، والذي شرع مؤخرا.. خاصة بعد "عملية القدس" والتي قام بها شاب فلسطيني بتسريع وتيرة تسليح مواطنيه ومستوطنيه، كقرار انتقامي يبرع به قادة هذا الكيان في سبيل ان يصبح الفلسطيني هدفا لكل اسرائيلي خائف لو أن ريحا مرت من امامه.

ولكي يكون كلامي واضحا.. ولا يتم تأويله حسب وجهات نظر أصحاب الشعارات الحنجرية الغوغائية؛ فان الشعب الفلسطيني اليوم.. ليس بحاجة لعمل مسلح ذي طابع فردي عشوائي ليفرح به نشطاء السوشال ميديا.. بل يحتاج لعمل ضمن منظومة استراتيجية متكاملة تشترك بها مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير من جهة والشعب والفصائل الفلسطينية من جهة آخرى.. لتصب وتخدم الهدف الاسمى بانهاء الاحتلال.. واقامة دولة فلسطينية مستقلة

فعسكرة الشعب الفلسطيني الأعزل من خلال مقاومته أو أظهاره بمظهر القوة الموازية لامكانيات الاحتلال العسكرية أو التكنولوجية او الاقتصادية أرضاءً لمعابد العهر السياسي الاقليمي أو لخدمة ايديولوجيات في المنطقة عبر برامج ذات مغزى سياسي مثل برامج قناة الجزيرة الفضائية، لا يمكن ان ترجح كفة ميزان القوة العسكرية لصالحه في الوضع الحالي.. أو ان تنهي الاحتلال الذي يدفع الآن عبر منظوماته الامنية لمواجهات عسكرية عنيفة يحقق منها فرض حقائق جديدة على أرض الواقع لأرضاء جموع اليمين المتطرف الذي تنتمي له الحكومة الحالية، هذا من ناحية.. ومن ناحية أخرى هربا من التصدعات الداخلية، فالشارع الاسرائيلي اليوم منقسم، والاحتلال كأي نظام فاشي يبحث عن جهة خارجية يفرغ بها أزماته الداخلية من خلال العنف والدموية ضد الشعب الفلسطيني.

أكرر.. الحكومة اليمينة المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، حكومة مأزومة داخليا، ستلجأ الى تصعيد العنف الموجه ضد الشعب الفلسطيني، هربا من انهيارها ولتحسين صورتها امام الشارع الاسرائيلي معتمدة على ردات الفعل الفلسطيني في تبرير عدوانها امام المجتمع الدولي، لذلك لا بد من اعادة انتاج نماذج مقاومة الشعب الفلسطيني بما يتلاءم مع طبيعة المرحلة الحالية، وهنا أطرح نموذج التجربة الهندية في انهاء الاحتلال البريطاني، فالسلمية التي كانت منهجا لمقاومة الاحتلال البريطاني انتجت التحرر من قيوده وأدت الى الاستقلال، واليوم وبعد ان حققت نماذج المقاومة السلمية في العديد من القرى والمدن الفلسطينية؛ كنعلين وبعلين والخان الاحمر وكفر قدوم نتائج أيجابية في مواجهة الاحتلال وبتكلفة مقبولة، فالسلمية المطلوب اليوم أمام عدو لا يعرف الرحمة ولا يحترم حقوق الشعب الفلسطيني ليست ضعفا أو هوادة بل عقلانية مارستها الشعوب الناضجة عبر التاريخ، فالدين الاسلامي.. يمنع على المسلم قتل طفل أو شيخ أو امراة من العدو بعكسه تماما الذي يُمعن بقتل أطفالنا وشيوخنا ونسائنا.. فان كان الاسلام يحث على ذلك فكيف بأطفال المسلمين وشيوخهم ونسائهم.. فالاولى ان لا نخسر مزيدا من الشباب بدفعهم الى الموت.. بل يجب ايجاد أفق سياسي وطني.. يمنحهم الأمل بحياة أفضل بعيدا عن ويلات الاحتلال ومآسيه.

اخر الأخبار