المربع الذي قد ينتظر القضية

تابعنا على:   10:04 2022-11-13

سليمان جودة

أمد/ قمّة المناخ العالمية التي يتواصل انعقادها في شرم الشيخ إلى 18 من هذا الشهر، لا تبحث عن كلام آخر يقال حول قضية البيئة المطروحة على منصتها، بقدر ما تبحث عن فعل، وعن تمويل يكفي، وعن التزامات واضحة وعملية من جانب الدول.

وعندما تنتقل القمة لتنعقد في دبي، في مثل هذا التوقيت من السنة المقبلة، سيظل هدفها البحث عن حماس للقضية لدى صناع القرار في العالم، وليس لدى آحاد الناس الذين يتحمسون لها بالفطرة ربما.. فلا يوجد إنسان طبيعي إلا ويجد نفسه منشغلاً بقضية البيئة من حوله، ومهتماً بها، ولكنه يكتشف عند الجد أن عينه بصيرة ويده قصيرة.

ونحن نقرأ في تراثنا المأثور، أن الله تعالى «يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن».. والمعنى أن آحاد الناس منا قد يعرفون أن القرآن الكريم يحض على فعل شيء معين، وينهى عن فعل شيء آخر في المقابل ويدعونا إلى تجنبه.. إلى هنا لا مشكلة.. ولكن المشكلة أن كثيرين بيننا لا ينتقلون بهذا المعنى من حيز الكلام إلى خانة الفعل.

ولكن السلطان، أي صاحب القرار في كل حكومة، يستطيع أن يحقق هذا الانتقال، ويستطيع أن يترجم الحديث إلى فعل، بصرف النظر عن القضية موضوع هذا الفعل، وسواء كانت هي قضية البيئة على سبيل المثال، أو كانت أي قضية أخرى.

وليس هناك ما هو أصدق تعبيراً عن الفكرة التي نتكلم عنها، من الحالة الأمريكية مع اتفاقية المناخ التي كان العالم قد وقّع عليها في 2015.

وقتها كان الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، يقضي سنته الأخيرة في البيت الأبيض، وكان جون كيري هو وزير خارجيته الذي ذهب يوقع على الاتفاقية.

ولم يكن مشهد توقيعه مشهداً تقليدياً بالمرة، ولكنه كان جديداً وفريداً، لأن كيري جاء بإحدى حفيداته الصغيرات، ووضعها أمامه على طاولة التوقيع، وراح يمسكها بإحدى يديه، ثم يضع التوقيع باليد الأخرى على الورق أمامه على الطاولة.

وكان القصد أن قضية الاتفاقية قضية مستقبل، أكثر منها قضية حاضر في حياة الناس، وأن وجود الحفيدة الصغيرة على الطاولة أمامه علامة على ذلك لا تخطئها العين.

وكان الأمل أن تحظى الاتفاقية بمساندة عملية من جانب صناع القرار، وفي المقدمة من صناع القرار يأتي بالطبع صانع القرار في البيت الأبيض.. وبما إن أوباما كان في أيامه الأخيرة، فإن التعويل لم يكن عليه، ولكن التعويل كان على الإدارة التالية لإدارته.

وكانت الإدارة التالية هي إدارة دونالد ترامب، الذي ما كاد يستقر في مكتبه البيضاوي، حتى سارع إلى الإعلان عن انسحاب بلاده من الاتفاقية.

ولأن الاتفاقية كانت تنص على تخصيص مئة مليار دولار لمواجهة تغيرات المناخ بدءاً من 2020، فهذا البند لم يجد يداً تقوم عليه، ولم يجد مساندة من أقوى صاحب قرار في العالم، لأنه كان انسحب من الاتفاقية أصلاً، وأدار له ظهره، ثم مضى.

صحيح أن إدارة جو بايدن التالية لإدارة ترامب، أعادت الولايات المتحدة للاتفاقية، وصحيح أنها استدعت كيري نفسه وأرسلته مندوباً لها في ملف المناخ، ولكن المشكلة أن القضية كانت ضيعت أربع سنوات من عمرها، وكانت فقدت أربع سنوات من مساندة واشنطن لها.

ولا يزال ترامب يسعى للعودة إلى البيت الأبيض، وإذا حدث هذا في انتخابات 2024، فمن المحتمل جداً أن تعود قضية البيئة إلى المربع رقم واحد.

عن الخليج الإماراتية

اخر الأخبار