الانتخابات : الخيار المتبقي أمام أبو مازن
تاريخ النشر : 2022-07-25 21:04

القادة العرب الذين اجتمعوا في قمة جدة مؤخراً أعلنوا مواقف قوية وايجابية تجاه القضية الفلسطينية وأسمعوا بايدن موقفاً موحداً وواضحاً في دعم الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وتحديداً حقة في اقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود عام 1967. أكد القادة العرب أن القفز عن القضية الفلسطينية وتحقيق السلام في المنطقة واقامة العلاقات الطبيعية بين اسرائيل والدول العربية لا يمكن ان يتحقق بمعزل عن ايجاد حل عادل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي على أساس قرارات الشرعية الدولية. وهذا الموقف بلا شك على درجة عالية من الاهمية خصوصاً في هذه الظروف التي تتعرض فيها القضية الفلسطينية لشتى المخاطر . ورغم الغياب الفلسطيني الرسمي عن قمة جدة الا ان القضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة على الطاولة ما يستوجب العمل على الإفادة من تلك المواقف والبناء عليها لخدمة قضيتنا الوطنية.

ومع ذلك لا بد من الاشارة الى أن المواقف العربية المعلنة في قمة جدة، على ايجابيتها وقوتها ، وقعت في نهاية المطاف في خانة البيانات السياسية الأقرب لإعلانات النوايا حيث لم تقترن بالإلتزامات العملية المستحقة بموجبها وما يفترض أن يترتب عليها من إجراءات وسياسات وخطوات عملية.

واقع الحال يقول إذاً أن الدول العربية المشاركة في القمة، وإن أكدت على الحقوق الفلسطينية الا أن حساباتها ظلت أولاً وآخراً مستندة لمصالحها وعلاقاتها والتزاماتها الخاصة مع الولايات المتحدة الامريكية. وهذا أمر معروف ومفهوم، وهو ما يصنع المسافة بين ما تعلنه تلك الدول وما تفعله حقاً؛ إضافةً أن لمعظمها علاقاته المعلنة والخفية مع اسرائيل، بما فيها العلاقات الاقتصادية والأمنية والعسكرية والدبلوماسية، وهو ما يؤشر لنا كفلسطينيين بضرورة خفض حجم التوقعات بحدوث تبدلات جوهرية في السياسيات التي قد تنتهجها تلك الدول إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ومن الجديرهنا ملاحظة طبيعة العلاقة السائدة هذه الأيام بين تلك الحكومات العربية والقيادة الفلسطينية الرسمية ممثلة بالرئيس أبو مازن؛ والتي يمكن وصفها عموماً بالعلاقة الفاترة التي تفتقر للتواصل والتنسيق والتفاعل الحيوي اللازم سواء قبل أو بعد قمة جدة .

لقد قبلت الدول العربية المشاركة في قمة جدة ومررت بكل سهولة وبدون أدنى اعتراض غياب منظمة التحرير الفلسطينية عن هذا اللقاء الاقليمي الهام رغم كونها هي صاحبة الشأن الرئيسي في الموضوع الفلسطيني ، والمفترض أنها الطرف المعني بتمثيل الحقوق الوطنية الفلسطينية والدفاع عنها. وغني عن القول أن غياب منظمة التحرير عن تلك القمة عكس نوع من الاستبعاد للطرف الفلسطيني الرسمي وأعطى مع الأسف إشارة واضحة للأطراف الدولية والاقليمية ولإسرائيل بأن الدعم والاسناد العربي للدور التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية آخذ بالتراجع، ما ألقي بظلال من الشك على طبيعة العلاقات العربية الفلسطينية.

وأما على الصعيد الإسرائيلي فقد دأبت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على الاعلان في كل مناسبة بان القيادة الفلسطينية الحاليه غير مؤهلة كشريك في أية عملية سياسية تستهدف ترتيب الأوضاع في المنطقة؛ واستمرت في التعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها قضية جانبية تقع في أقصى الهامش وأنها لم تعد ذات بال في سياق علاقاتها المتنامية بتسارع مع المحيط العربي. ولذلك فإنها في الوقت الذي تمضي فيه بتنفيذ مخططاتها واجراءاتها الاستيطانية والتهويدية على الارض تواصل تعزيز وتوسيع علاقاتها العربية غير آبه بتلك المواقف والاعلانات السياسية الصادرة عن الدول العربية .

وعموماً، وفي ضوء تنكر الادارة الامريكية للإلتزامات التي سبق وأعلنتها بخصوص فتح القنصلية الامريكية في القدس والممثلية الفلسطينية في واشنطن وتحريك عملية السلام على اساس حل الدولتين؛ وإزاء الانشغال الاوروبي والدولي في الحرب الأوكرانية والأزمات العالمية الخاصة بالطاقة والاقتصاد والغذاء والتضخم وقضايا المناخ وغيرها ، وتراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية؛ وفي ضوء اللامبالاة العربية ازاء الممارسات والاجراءات الاسرائيلية الاجرامية والاستيطانية. والأهم، في ضوء الانقسام الداخلي الفلسطيني وتردي الحالة الوطنية العامة في البلد فقد بات من الواضح وضوح الشمس أن انتشال الحالة الفلسطينية من الانحدار الذي تعيشه لا يمكن أن يتحقق اذا ما استمرت السياسة الحالية التي تنتهجها القيادة الفلسطينية، داخلياً وخارجياً. تلك السياسة التي تقوم على الانتظار والجمود وانعدام المبادرة ؛ وعلى مجرد الإعلان المتكرر عن التمسك بالثوابت الوطنية والاكتفاء برفع شعار (حل الدولتين على اساس قرارات الشرعية الدولية) والذي بات شعاراً باهتاً لا يثير الاهتمام ويكاد يفقد مضمونه الأساسي. كما بات من الواضح أن لا جدوى جوهرية من الزيارات الرسمية والجولات الدبلوماسية ولا من اللقاءات المباشرة الفلسطينية الإسرائيلية ذات الطابع الأمني والإداري. ولا من إجراءات بناء الثقة المزعومة بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني بما فيها التسهيلات الاقتصادية وتسهيلات السفر ولم الشمل وإصدار تصاريح العمل وتصاريح التنقل .

لقد وصلت الحالة العامة للقضية الفلسطينية (وطنياً على الصعيد الداخلي وكذلك على الصعيد الاقليمي والدولي) الى حافة الانهيار والتفكك ما يتطلب إطلاق مبادرة عملية جوهرية من شأنها إحداث تغيير حقيقي في الاوضاع الداخلية وتحريك المياه الراكدة التي تحيط بقضيتنا الوطنية وتكاد تغرقها.

ولا شك بأن المبادرة لاجراء الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية وللمجلس الوطني الفلسطيني يمكن أن تحدث فرقاً جوهرياً في الأوضاع الداخلية الفلسطينية ؛ وسيكون لها بالتأكيد انعكاسات دولية إيجابية على القضية الفلسطينية . فالانتخابات العامة والشاملة هي رافعة قوية لتصليب البناء الداخلي للحالة الفلسطينية ولتجديد شرعية المؤسسات القيادية للشعب الفلسطيني ولانتشال الاوضاع الفلسطينية الداخلية من حالة الانحدار والاحباط التي تعيشها.

على الرئيس أبو مازن أن يلتقط هذه اللحظة المفصلية وأن يضع كافة الاطراف الاقليمية والدولية وإسرائيل وكذلك مختلف الاطراف والتيارات الفلسطينية أمام مسؤولياتها . ولا سبيل أمامه غير ذلك . . وفي هذا الشأن فإن التذرع بموضوع القدس كمبرر لعدم إجراء الانتخابات لم يعد يقنع أحداً. نعم ، القدس بالتأكيد يجب أن تشارك في الانتخابات واذا ما أقدمت اسرائيل على منع الفلسطينين من ممارسة حقهم المشروع في الانتخاب في القدس ، وهذا متوقع، فان الرد يجب أن لا يكون بالانسحاب والتخلي عن الانتخابات ، بل بالإصرار على إجرائها وتحميل اسرائيل امام العالم جريمة منع المقدسيين من ممارسة حقهم الوطني والديموقراطي الطبيعي في الانتخابات.

ان التردد واتباع سياسة الانتظار العبثي والاستجابة للتخوفات والادعاءات الكاذبة بان الانتخابات ستعزز الانقسام وتجلب الكوارث لا تستهدف في الحقيقة سوى إدامة وتعميق حالة الاحباط والتردي التي تمر بها الحالة الفلسطينية وذلك لخدمة مصالح ذاتية لبعض الاوساط الفاسدة والمنتفعة من بقاء الاوضاع الراهنة على ماهي عليه من جمود وشلل.

ولا شك بأن الطروحات القاصرة والمريبة التي تكتفي رداً على التحديات المحيطة بالقضية الوطنية بالدعوة للعمل على تحسين الحياة المعيشية للناس في ظل الاحتلال بما يشمل تأمين احتياجاتهم الأساسية وتقديم التسهيلات الاقتصادية والخدمات المدنية لهم وبدون إقرانها بترتيب الأوضاع الداخلية وتصليب البناء المؤسسي ومواصلة النضال الوطني للتحرر من الاحتلال وتحقيق الاستقلال، ليست في الحقيقة سوى دعوة للتعايش مع الاحتلال والاستسلام لمخططاته.

وحيث لم تنعدم الفرصة بعد ليخوض الشعب الفلسطيني معركة الانتخابات الوطنية الشاملة ويفوز بها ويعزز قدراته وثقته بمستقبل نضاله الوطني ويكسب احترام العالم له فإن على القيادة الفلسطينية وعلى رأسها أبو مازن أن تتحلي بالشجاعة وبالمسؤولية الوطنية العالية وعدم تفويت هذه الفرصة التاريخية المتاحة.