مشترك "قطبي الانقسام": الحرب على إعلام مختلف!
تاريخ النشر : 2019-02-12 10:51

كتب حسن عصفور/ من أبرز عناصر حماية التمثيل الوطني الفلسطيني منذ انطلاقة الثورة المعاصرة بقيادة حركة فتح والخالد الشهيد المؤسس ياسر عرفات، إدراك أن الاختلاف حق" بالمعنى السياسي العام، وأن "التعددية السياسية" جزء من الحق العام، ولذا كانت خيارات التوافق – الوحدوية السلاح الأهم لحماية مسار الثورة والمنظمة الى حين رحيل قائد المسار والمسيرة عام 2004.

عندما أصبحت منظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا، لم تكن تعبيرا "فارغا"ـ أو وصفا لمشهد تحايلي للواقع، بل كانت تجسيدا واقعيا عمليا للحقيقة السياسية، ولم يترك خارجها سوى من اختار أن يكون، وبالأساس الحركة الإسلاموية، والتي اختارت سلوكا مختلفا منذ عام  1967، بالابتعاد عن القيام باي عمل كفاحي متخندقة بمؤسسات شرعنتها مع سلطات الاحتلال، حتى نهاية عام 1987 بعد أن توافقت الجماعة الإخوانية مع أطراف إقليمية على تغيير المنهج والسلوك، فكانت ولادة حماس كجناح للجماعة الإخوانية في فلسطين، لكنها ليست جزءا من الممثل الشرعي والوحيد، ورفضت كل ما قدم لها، لتصر أن تبقى موازيا تمثيلا.

ورغم هزات سياسية مدوية شهدتها "المرحلة الثورية – السياسية"، كان الاعتقاد انها ستعصف بالممثل الشرعي والوحيد، أبرزها بدأ بعد إقرار البرنامج المحلي عام 74، فيما عرف بـ "جبهة الرفض" بدعم نظامي العراق وسوريا وأطراف أخرى، لكن حكمة القيادة التاريخية تمكنت من حصار ذلك "الانشقاق السياسي" كي لا يذهب الى "انشقاق تنظيمي".

وبعد غزو بيروت ونتائج المعركة التي لم تتمكن من "شطب" التمثيل الوطني بأداة إسرائيلية وقيادة شارون، سارعت قوى عربية باستغلال "غضب فتحاوي" من سلوك سياسي لتدفع نحو "أخطر ظاهرة انشقاقية" في حركة فتح، تحالفت معها فصائل وتيارات من فصائل، واعتقد الكثيرون أن الانشقاق الجديد، مع خروج قاعدة الثورة من لبنان وذهاب القيادة التاريخية لحركة فتح والزعيم ياسر عرفات الى تونس، ترافقت مع ممارسات سياسية لم تكن "شعبية"، ان الممثل الوحيد على طريق الانقسام التاريخي.

وجاء المجلس الوطني في عمان عام 84 ليعزز قواعد الشك بالذهاب الى "الانشطار" الوطني، وكانت المفاجأة الكبرى، ان القدرة الكامنة بالانتماء الوطني كانت باب النجاة لمنع ما بحث عنه أعداء الثورة والمنظمة، فتم حصار الخلاف – الاختلاف.

ومع كل مراحل الاختلاف الوطني، كانت وسائل الاعلام الفلسطينية تسير وفقا لـ "الهوى الفصائلي"، ولم يكن هناك "اعلام وطني محايد" بالمعنى الحقيقي حتى "اعلام الثورة" كان مفتاحه الأساسي بيد الحركة القائدة والزعيم الخالد أبو عمار، شهد الاعلام معارك سياسية حادة في مراحل الاختلاف، وفي مراحل سقط بعضه في مواقف تم إدانتها لاحقا.

مع مرحلة تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، دخل الاعلام الوطني مرحلة جديدة، ضمن الرؤية الجديدة، ما بين منتم للسلطة وتوجهاتها وبين اعلام معارض ناقد بين موضوعي وموتور، لكنه كان قائما رغم مرارة الحديث، حتى الاعلام الرسمي شهد حالة من "التباين" تعكس حالة الواقع السياسي القائم.

مرحلة شهدت حالة من "التعايش السلمي" بين مختلف المؤسسات الإعلامية، دون ان تشن حربا شاملة على من لا يتفق مع رأي السلطة وقيادتها، ضمن وعي لقيمة المؤسسات وأنها جزء من الحالة العامة في فلسطين، ولا يمكن لسلاح الإرهاب الفكري – الاعلامي ان يكسر شوكة المعارضين أو المختلفين.

بعد الانقسام الوطني، الذي كان جزءا من مؤامرة عامة على التمثيل والقضية، ومقدمة موضوعية لتقزيم المشروع الوطني العام لتمرير المشروع التهويدي العام، دخلت حرب الإعلام خدمة لأدوات الانقسام، ومعارضي منهج الانقساميين في جناحي بقايا الوطن.

وأصبح الإرهاب والحظر سلاحا رئيسيا لأدوات الانقسام باعتقاد انه حامي لمشروع طرفيه، في فتح وحماس، وأصبح هدفا عمليا يلاحق بتهم لا يعجز أي جهاز أمني عن تلفيقها، فكل اختلاف مع المنقسمين هو تهمة بذاتها، ولأن فشل المطاردة لمنع الكلام السياسي، لجأت سلطة عباس الى أسلوب إرهابي مستحدث، بحظر كل اعلام ليس "عباسيا" في الضفة، فيما لاحقت حماس كل من تعتقد انه يمثل ارباكا لسلطتها القائمة، ووجد كل من طرفي الأزمة أدوات عمل تبرر أو تصمت على فعل لن يكون سوى تعزيز للمنشقين وطنيا بثوب انقسامي.

الإرهاب الإعلامي، ليس حلا، ولن يكون، فالحداثة المعاصرة يمكنها ان تكسر شوكة التسلط الإرهابي، رغم صعوبات عملية، لكن الأخطر أن تصمت مؤسسات تدعي تمثيل العمل الإعلاني ويصبح موقفها انتقائيا حسب الولاء الفصائلي، وليس الانتماء للمهنة.

غزة تعيش مظهرا إرهابيا بأشكال متباينة ضد وسائل اعلام واعلاميين، فيما تعيش الضفة إرهابا مركبا بين سلطة أمن عباس وسلطة أمن الاحتلال، لكن التطاول العباسي فاق كل ما كان، من حظر عشرات المواقع الإعلامية في حملة بوليسية غير مسبوقة.

ربما حققت حملة الحظر بعضا مما هدفت اليه، لكنها قطعا لن تتمكن من منع المعرفة، ولن تتمكن من قهر الحقيقة، وفي القطاع لن تكسر حملة الإرهاب صوتا رافضا لكل مظهر انقسامي عصبوي خارج سياق الوطنية الفلسطينية.

المثير هنا، ان نقابة الصحفيين واتحاد الكتب والصحفيين غابا كليا عن سلوك أمن عباس الإرهابي، مع انه الأكثر دناءة، رغم انهم يتحدثون عن قمع حماس، وملاحقتها لكل مخالف اعلامي، دون ان يدركوا ان منطقهم ليس منطقا، فصمتهم عن إرهاب عباس يعتبر مشاركة رسمية بما كان، ويفقدهم كثيرا من "صدق الكلام" عن الحريات.

المظهر العام بين قطبي الانقسام وحدة الحرب على الإعلام المختلف، وتلك معركة مفتوحة بيننا وبينهم!

ملاحظة: يبدو أن تسريب وثيقة فضح أكاذيب نتنياهو حول "مرابح التطبيع" أصابت جزء من مؤسسة الكيان بدوار فكان نشر قناة عبرية لخبر "تعويضي"، عن اتصالات مع مسؤول عربي...حبل الكذب قصير وسنرى!

تنويه خاص: نصيحة لقيادة حركة حماس أن تعيد تربية قواعدها سياسيا – ثقافيا، وان تحدد في وثيقة من هم أعداء الحركة ومن خصومها ومع هم أصدقائها وتحالفها...قواعد حماس لا تزال تتخندق في مرحلة إخوانية عمياء!