تصريحات ترامب بشأن "حل الدولتين" تثير حالة من البلبلة والفوضى والارباك في واشنطن
تاريخ النشر : 2017-02-18 23:35

أمد/ واشنطن – سعيد عريقات : لا تزال تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي أعلنها يوم الأربعاء الماضي خلال مؤتمره الصحافي المشترك مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض حول استعداده لقبول حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي تثير حالة من البلبلة والفوضى والارباك بشأن حقيقة الموقف الأميركي تجاه تلك القضية المزمنة.

واعتبر الكثير من الخبراء أن الرئيس ترامب بتصريحاته هذه إنما "يعبر عن أسلوبه الارتجالي، غير التقليدي في التعامل مع قضايا بالغة الدقة والحرج، كما يعبر عن حقيقة أن الرئيس (ترامب) ليس ضالعاً بهذه القضية المعقدة"، حسب قول أحد المسؤولين في الإدارة ممن تبقوا من عهد الرئيس السابق باراك أوباما إلى حين استبدالهم من قبل الإدارة الحالية.

ويضيف المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه : "لقد أمضينا سنوات طويلة وعبر إدارات متعاقبة ديمقراطية وجمهورية، ومن ثم ديمقراطية، في تمحيص تفاصيل هذه المشكلة التي طالما اعتبرناها - كما يعتبرها حلفائنا العرب والأوربيون - المشكلة الأساسية في فسيفساء القضايا الملتهبة في الشرق الأوسط، وأنا أعتقد، كما يعتقد المختصون أن التحول بأسلوب عرضي في هذه المسألة من السياسة الثابتة للولايات المتحدة يعرض مصالح الولايات المتحدة ومصالح إسرائيل للخطر".

آخرون يعتبرون أن الرئيس ترامب سيكتشف بسرعة أنه لا يوجد "حل الدولة الواحدة" للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وإنه (ترامب) إذا كان جاداً بشأن السلام، "وهو ما بدا عليه خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد يوم الأربعاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، فسوف يعود حتماً إلى تأييد حل الدولتين، الذي تبناه الرؤساء الأميركيون السابقون" منذ بيل كلينتون بعد اتفاق أوسلو ، وذلك حسب قول مارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة السابق في إسرائيل والذي ترأس مفاوضات السلام من الجانب الأميركي بين شهر أب 2013 ونهاية آذار 2014 لصحيفة (نيويورك تايمز).

ويستشهد إنديك قائلاً "ترامب عاد مجدداً إلى سياسة (الصين الواحدة) لأن الصين دولة قوية للغاية، وسيتراجع مجدداً عن موقفه في حالة الفلسطينيين لأنه لن يكون قادراً على تغيير موقفهم".

ويقول آخرون أنه "ربما من غير المضر التشكيك في الافتراضات القديمة، ولكن المشكلة هي أن الرئيس ترامب لا يدرك في أحيان كثيرة المبررات المعقدة للمبادئ التي يتحداها" حسب قول عضو مباحثات السلام في عهد الرئيس كلينتون آروون ميلير في معرض تعليقه على ما قاله ترامب في إطار مؤتمره الصحافي مع نتنياهو "حين تحدث عن صيغة الدولتين أوصيغة الدولة الواحدة للسلام كما لو أنهما وجبتان على قائمة طعام" .

يشار إلى أن ترامب قال أنه سيدعم الخيار الذي يريده كلا الجانبين وأنه لا يعارض أياً منهما، معترفاً بأنه اعتقد في وقت ما أن "حل الدولتين هو أسهل طريقة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

آخرون، خاصة من أنصار إسرائيل، اعتبروا أنه بدلاً من تحليل بيان الرئيس بحثاً عن التداعيات السياسية المحتملة، يمكن للمرء قراءته كدليل على عزمه (ترامب) أن يكون واقعياً ومرناً، حسب قول غيث عمري (وهو من أصل فلسطيني) ويعمل باحثاً في (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) وهو المعهد الذي يسوق للسياسات الإسرائيلية بغض النظر عن طبيعة الحكومة الإسرائيلية.

ويقول عمري لصحيفة (نيويورك تايمز) أن "ترامب لم يحاول تقويض مصداقية صيغة حل الدولتين، ولكنه فتح الباب أمام خيارات أخرى"، مشيرا الى "أنه بمجرد أن يتجاوز المسؤولون الفلسطينيون حالة سخطهم الأولي، سيركزون على حماسة الرئيس الأميركي (ترامب) للتوصل إلى اتفاق عوضاً عن الانشغال بمغزى كلماته".

يشار إلى أنه مع تخلي الرئيس الأميركي ترامب عما أصرت عليه الولايات المتحدة الأميركية منذ فترة طويلة بشأن ضرورة قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، "يكون قد انحرف بعيدا عن فرضية الدولتين التي كانت لعقود طويلة صلب جهود السلام في الشرق الأوسط" حسب قول صحيفة (كريستيان سايانس مونيتور) في عددها الصادر امس الجمعة.

وتذكر الصحيفة أن "فكرة تقسيم الأرض بين الإسرائيليين والفلسطينيين تعود إلى عام 1947، وذلك عندما صوتت الأمم المتحدة لصالح تقسيم فلسطين تحت الحكم البريطاني، وخلق دولة يهودية ودولة عربية، إلا أن تلك الفكرة حظيت بقبول اليهود، ورفض الدول العربية".

يشار إلى أن هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة أصبح ضمن أهداف السياسة الخارجية للولايات المتحدة في أعقاب إبرام اتفاقيات أوسلو عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث تم الإعلان عن موضوع "حل الدولتين" لأول مرة على يد الرئيس بيل كلينتون عام 2001، والذي تم اعتباره كسياسة رسمية للولايات المتحدة خلال إدارة جورج دبليو بوش، كما كان حجر الزاوية في جهود السلام في عهد إدارة أوباما.

ولكن الرئيس ترامب قلب كل تلك الموازين يوم الأربعاء الماضي عندما أعلن أنه لم يعد متمسكا بـ "حل الدولتين" بإعتباره الوسيلة الوحيدة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وقال ترامب "أن أنظر حاليا في مسألة الدولتين، ومسألة الدولة الواحدة" وهو ما أثار حفيظة المفكرين الصهاينة من اصحاب النظرية التي تقول ان "الصهيونية هي الدولة القومية اليهودية، وليس دولة ثنائية القومية"، حيث يعتبر هؤلاء أن شمل إسرائيل للفلسطينيين كمواطنين سيجعل من اليهود خلال المستقبل القريب "أقلية" مع التنامي السريع لعدد السكان العرب.

وتقول حركة (السلام الآن)، وهي مجموعة إسرائيلية أميركية تعارض الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وتدعم قيام دولة فلسطينية، إن" حل الدولتين وحده هو ما قد يحافظ على ما تتمتع به إسرائيل من كونها كيان ديمقراطي يهودي".

عن القدس