استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دولة فلسطين: قراءة تحليلية مقارنة

تابعنا على:   15:52 2025-05-10

د. جمال أبوغليون

أمد/ الملخص:

تتناول هذه الورقة العلمية بالبحث والتفصيل مسألة استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة، رئيس دولة فلسطين[1] من قبل المجلس المركزي الفلسطيني[2]  في دورته الثانية والثلاثين[3]، ومصادقة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مستخدمين التحليل القانوني والسياسي، من خلال دراسة النصوص القانونية المرجعية في ضوء النظام الأساسي للمنظمة المعتمد في حزيران  1964، والنظام الداخلي للجنة التنفيذية المعتمد في مارس 1965، والإعلان الدستوري للسلطة الوطنية الفلسطينية الصادر في نوفمبر  2024، كما بحث  في تأثير هذا الإجراء على مبدأ الفصل بين السلطات، وتوازن الهيئات القيادية في الحالة الفلسطينية، وتحليل بعض ردود الأفعال المحلية، والإقليمية، والدولية، بالإضافة إلى توضيح الفرص والتحديات، والاستنتاجات.

الكلمات المفتاحية:

منظمة التحرير الفلسطينية، اللجنة التنفيذية، نائب الرئيس، النظام الأساسي، الإعلان الدستوري، الشرعية القانونية، التفاعل السياسي، الردود الإقليمية والدولية.

أولاً: المقدمة

إن مسألة استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دولة فلسطين[4] تُعتبر خطوة هامة في السياق السياسي الفلسطيني، حيث تهدف إلى تعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية، في وقت تتزايد فيه التحديات الداخلية، والإقليمية، والدولية، وفي ظل ظروف بالغة التعقيد؛ حيث عدوان الاحتلال الصِّهيو-أمريكي والتحالف الدولي على شبعنا العربي الفلسطيني بشكل عام وعلى قطاع غزة وشمال الضفة الغربية بشكل خاص، وارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وفقدان ربع مليون بين شهيد، وجريح، وأسير، ومفقود، بالإضافة إلى تحويل قطاع الحبيب إلى بيئة طاردة من هنا تأتي اهمية إعادة تفعيل منصب نائب الرئيس بموجب قرار صادة عن المجلس المركزي الفلسطيني في دورته "32" الثانية والثلاثين المنعقدة في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة خلال الفترة من 23 – 24 نيسان/إبريل 2025م، في ضوء الفقرة "ب"، المادة "13" والمادة (16) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية الحالي، مما يثير العديد من الأسئلة القانونية والدستورية حول تفاعل هذا التعديل مع النصوص القانونية المذكورة.

تسعى هذه الورقة إلى تقديم دراسة قانونية، وتحليلية حول استحداث منصب نائب الرئيس، بما في ذلك مقارنة بين النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية المصادق عليه من قبل المجلس الوطني الفلسطيني في جلسته المنعقدة في 2 حزيران 1964، والنظام الداخلي للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية المحرر11/3/1965، والإعلان الدستوري الصادر في الإعلان الدستوري في 27/22/2024، بالإضافة إلى تقديم بعض ردود الأفعال المحلية والإقليمية، والدولية على هذا التعديل وتأثيراته المحتملة على الساحة الفلسطينية والدولية.

ثانيًا: اقرار المجلس المركزي[5] في دورته الثانية والثلاثين القاضي باستحداث منصب نائب الرئيس:

جاء نص قرار المجلس المركزي الفلسطيني المنعقدة في الدورة "32" الثانية والثلاثين التي عقدت في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة بالأغلبية الساحقة حسب البيان الختامي بالموافقة على استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دولة فلسطين وصدر القرار التالي:

مع الاخذ بعين الاعتبار

ما ورد في الفقرة (ب) من المادة (13) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

ما ورد في المادة (16) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

يقرر

استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دولة فلسطين.

يعين نائب لرئيس اللجنة التنفيذية رئيس دولة فلسطين من بين أعضاء اللجنة التنفيذية، بترشيح من رئيس اللجنة وبمصادفة أعضائها، وله أن يكلفه بمهام، وأن يعفيه من منصبه، وأن يقبل استقالته.

من خلال ما سبق يلاحظ التالي:

الفقرة "1" من القرار أعلاه نصت على استحدث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دولة فلسطين من قبل المجلس المركزي الفلسطيني المفوض اصلاً من المجلس الوطني الفلسطيني صاحب صلاحية تعديل النظام الأساسي وفقاً للمادة "30" من الباب الرابع / أحكام عامة ونصها "تعديل هذا النظام الأساسي أو تغييره أو الإضافة إليه من سلطة المجلس الوطني للمنظمة بأغلبية ثلثي أعضائه".

الفقرة "2" من قرار المجلس المركزي تمنح فخامة الرئيس حق تعيين نائبه، من بين أعضاء اللجنة التنفيذية وله أن يكلفه بمهام، وأن يعفيه من منصبه، وأن يقبل استقالته.

يشير التعديل الأخير إلى أن نائب الرئيس سيُصبح منصبًا معينًا من قبل رئيس اللجنة التنفيذية، رئيس دولة فلسطين، وليس منصبًا منتخباً من قبل أعضاء اللجنة التنفيذية وفقاً لنص النظام الأساسي المعتمد في حزيران 1964، منح القرار للرئيس حق اختيار نائبه ومن ثم عرضه على اللجنة التنفيذية للمصادقة عليه، وبالتالي لا يعطي  أي حق إلى نائب رئيس اللجنة التنفيذية في تولي منصب رئاسة اللجنة التنفيذية أو دولة فلسطين في حالة شغور منصب الرئاسة لأي سبب من الأسباب، علماً  أن الفقرة "ب" من المادة "13" من النظام الأساسي الحالي، الباب الثالث/ اللجنة التنفيذية[6] التي وردت في ديباجة القرار الفِقرة"1" تنص على أن " يتم انتخاب رئيس اللجنة التنفيذية من قبل اللجنة."  أما المادة "16" من النظام الأساسي تنص على " اللجنة التنفيذية هي أعلى سلطة تنفيذية للمنظمة، وتكون دائمة الانعقاد وأعضاؤها متفرغون للعمل، وتتولى تنفيذ السياسة، والبرامج، والمخططات التي يقررها المجلس الوطني، وتكون مسؤولة أمامه مسؤولية تضامنية وفردية"

وبذلك تجنب المجلس المركزي في قرار استحداث منصب نائب الرئيس تعديل النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية على اعتبار أن التعديل حق للمجلس الوطني الفلسطيني حصراً وفق المادة "30" من النظام الأساسي الحالي لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي نصها "تعديل هذا النظام الأساسي، أو تغييره، أو الإضافة إليه؛ هو بالأساس من سلطة المجلس الوطني للمنظمة بأغلبية ثلثي أعضائه"

وفقاً لنص المادة "30" المذكورة أعلاه من غير المعقول انتخاب نائب الرئيس من قبل المجلس المركزي أو المجلس الوطني الفلسطيني؛ لأن ذلك يعني منح نائب الرئيس شرعية اقوى من شرعية الرئيس نفسه وبالتالي لن نستقيم الأمور من الناحية القانونية؛ لأن صلاحيات نائب الرئيس ستكون أكبر من صلاحيات الرئيس، من هنا جاء تفويض الرئيس من قبل المجلس المركزي بأغلبية ساحقة في تعيين نائبه.

ثالثًا: مقارنة قانونية بين النظام الأساسي للمنظمة ولائحة اللجنة التنفيذية والإعلان الدستوري:

النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية[7] المصادق عليه المجلس الوطني الفلسطيني في جلسته المنعقدة في 2 حزيران 1964م:

عند العودة إلى النظام الأساسي المذكور أعلاه للبحث عن النصوص المتعلقة برئيس اللجنة التنفيذية، ونائب÷ وجدنا التالي في الباب الثالث "اللجنة التنفيذية":

مادة 13 - ينتخب المجلس الوطني من بين أعضائه رئيس اللجنة التنفيذية ويتولى الرئيس اختيار أعضائها.

مادة 14: تؤلف اللجنة التنفيذية من خمسة عشر عضواً بمن فيهم الرئيس، وينتخب هؤلاء من بينهم نائباً للرئيس.

من خلال المواد المذكورة أعلاه نلاحظ التالي:

صلاحية انتخاب رئيس اللجنة التنفيذية مناطة بالمجلس الوطني وصلاحية اختيار أعضاء اللجنة التنفيذية تعود إلى رئيس اللجنة التنفيذية بموجب المادة "13" بمعنى ان المجلس الوطني في ذلك الوقت لا يحق له اختيار أو انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية بل يعينهم رئيسها بالتعين.

عدد أعضاء اللجنة التنفيذية 15 عضواً بما فيهم الرئيس واللجنة تنتخب نائب الرئيس من بينها وليس بالتعيين كما هو الحال في قرار المجلس المركزي الأخير.

وبعد التنقيب في أرشيف منظمة التحرير الفلسطينية نجد ان وجود نائب الرئيس ليس أمراً جديداً، بل كان موجود منذ البدايات وفق التالي:

 بعد عقد الدورة الثانية للمجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة خلال الفترة من 4-5/ حزيران/ 1965 انتخب أحمد الشقيري رئيساً للجنة التنفيذية وعين أعضاءها وتم تم انتخاب نائبين للرئيس من قبل اللجنة هما حكمت المصري ومحمود نجم.

بعد استقالة الشقيري إثر النكسة 1967 (الاسم المخفف للنكبة الثانية) خلفه في رئاسة اللجنة التنفيذية يحيى حمودة، وانتخبت اللجنة التنفيذية المحامي إبراهيم بكر نائباً له، وبقيا في منصبيهما حتى العام 1969 حين تولى الشهيد الرمز ياسر عرفات (أبوعمار) رئاسة اللجنة التنفيذية، ومنذ ذلك الحين حتى انعقاد الدورة الحالية للمجلس المركزي، لم يُعيّن نائب جديد ... نستنتج مما سبق ان منصب نائب الرئيس ليس طارئاً على الساحة الفلسطينية.

النظام الداخلي للجنة التنفيذية[8] المحرر في 11/3/1965:

بالعودة إلى النظام الداخلي للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية المذكور أعلاه الفصل الثاني نجد التالي:

مادة 5:  تنتخب اللجنة من بين أعضائها نائب الرئيس في أول جلسة تعقدها اللجنة، وفي حالة تعذر ذلك ينتخب نائب الرئيس في أول فرصة ممكنة.

مادة 6:  يمارس نائب الرئيس جميع صلاحيات الرئيس في حالة غيابه.

مادة 7:  إذا استقال الرئيس أو خلا مركزه لأي سبب من الأسباب يتولى نائبه رئاسة اللجنة وتستمر اللجنة في ممارسة صلاحيتها وأعمالها إلى أن ينتخب المجلس الوطني رئيساً جديداً في أول جلسة عادية له.

كانت اللائحة الداخلية تأخذ بعين الاعتبار التالي:

الانتخاب في أول جلسة تعقدها اللجنة التنفيذية، وفي حالة تعذر ذلك ينتخب نائب الرئيس في أول فرصة ممكنة، كآلية أساسية لاختيار نائب الرئيس، في وقت كانت فيه منظمة التحرير تسعى إلى تعزيز التعددية السياسية.

لنائب الرئيس كامل صلاحيات الرئيس في حالة الغياب.

إذا استقال الرئيس أو خلا منصبه لأي سبب من الأسباب يتولى نائبه رئاسة اللجنة التنفيذية على أن تستمر في ممارسة صلاحياتها، وأعمالها لحين انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني؛ لينتخب رئيساً جدياً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.

إذن كان لنائب رئيس اللجنة التنفيذية كاملة الصلاحية؛ في حالة غياب الرئيس، أو خلا منصبه لأي سبب كان على العكس من ذلك نائب الرئيس الحالي الذي يعين من قبل رئيس اللجنة التنفيذية، وله حق تكليفه نائبه بمهام، أو الإقالة، أو قبول الاستقالة.

الإعلان الدستوري[9] لعام 2023:

تنص المادة "1" من الإعلان الدستوري الصادر في رام الله بتاريخ 27/11/ 2023 عن رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دولة فلسطين على التالي:

" إذا شغر مركز رئيس السلطة الوطنية في حالة عدم وجود المجلس التشريعي، يتولى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً، لمدة لا تزيد على تسعين يوماً، تجري خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقا لقانون الانتخابات الفلسطيني، وفي حال تعذر إجراؤها خلال تلك المدة لقوة قاهرة تمدد بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني لفترة أخرى، ولمرة واحدة فقط."

هذا يعني أن رئيس المجلس الوطني الفلسطيني يتولى مهام رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية مؤقتا لحين إجراء الانتخابات التشريعية، لمدة ثلاث شهور في حالة القوة القاهرة تتجدد لمدة مماثلة بقرار من المجلس المركزي الفلسطينية لمرة واحدة.

الإعلان الدستوري هنا يتحدث عن السلطة الوطنية الفلسطيني الكيان الإداري للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بخلاف منظمة التحرير الفلسطينية الكيان السياسي، والممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجده وفقاً لقرارات المنتظم الدولي. وبالتالي يقتصر الإعلان الدستوري على رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية فقط.

رابعاً: التنازع القانوني في استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية، رئيس الدولة مع الإعلان الدستوري لعام 2023:

في ضوء المادة "13" الفقرة "ب: والمادة "16" من النظم الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية جاء قرار المجلس المركزي الأخير القاضي باستحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحريـر الفلسطينية، رئيـس الدولـة واشـترط أن يكـون ذلك بالتعيين من قبل الرئيـس، ولا يوجد أي نص في القرار على تولي نائب الرئيس سدة الرئاسة، حال شغور المنصب، على العكس من ذلك جاء الإعلان الدستوري الذي تحدث عن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية مستنداً إلى النظام الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية؛ المعدل عام 2003 (دستور دولة فلسطين[10])، وفقاً للنص التالي: "يعمل بأحكام هذا القانون الأساسي مدة المرحلة الانتقالية ويمكن تمديد العمل به إلى حين دخول الدستور الجديد للدولة الفلسطينية حيز التنفيذ".

في الحقيقة العديد من الكتاب وخبراء القانون يرون في قرار استحداث منصب نائب الرئيس بصيغته الحالية (رغم التعيين) يخلق تنازعاً وتعارضاً قانونياً في حالة شغور منصب الرئيس، وفقاً للنظام الأساسي المعول به في منظمة التحرير الفلسطينية والذي سيعتمد على قرار المجلس المركزي الأخير، وقد تزيد الصراعات بين مراكز القوى والنفوذ، وبالتالي يخلق تنازع في الصلاحيات؛ بينما تعيين رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وفقاً للإعلان الدستوري يعتمد على القانون الأساسي المعدل عام 2003 الذي يعمل به خلال المرحلة الانتقالية ويمكن تمدي العمل به لحين دخول دستور الدولة الجديد حيز التنفيذ.

يرى الباحث أن التنازع القانوني مؤكد في حالة استمرار حصر الرئاسات الثلاث (اللجنة التنفيذية والدولة، والسلطة الوطنية الفلسطينية) بيد شخص وفي حالة العكس سيكون الأمر مختلف بعد الرئيس أبو مازن فلن يكون الرئيس الأبوي الذي يشغل الرئاسات الثلاث موجود وبالتالي قد يكون لدينا رئيس اللجنة التنفيذية، رئيس الدولة، وآخر رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية مرجعيته منظمة التحرير الفلسطينية، والذي يتم انتخابه من قبل الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967 (الضفة الغربية بما فيها القدس وغزة) وبالتالي لن نجد تداخلاً في صلاحيات المناصب المختلفة وصلاحيات رئيس اللجنة التنفيذية، رئيس الدولة تختلف عن صلاحيات رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المحدودة والذي يفترض ان يرفع تقاريره الدورية إلى رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي لن يكون هناك تنازعاً على الصلاحيات.

خامساً: ردود الأفعال المحلية، والإقليمية (العربية الإِسلامية)، والدولية:

حظي قرار المجلس المركزي الفلسطيني، القاضي بتعيين نائب رئيس اللجنة التنفيذية، رئيس الدولة بترحيب عربي وإسلامي ودولي واسع وعبرت مختلف دول العالم عن دعمها لقرار الذي من شأنها تعزيز وحدة الصف الفلسطيني وإعادة اللحمة لجناحي الوطن وصولاً لإعادة تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، أما على المستوى المحلى فقد جاءت ردود الفعل متباينة كالتالي:

محلياً : جاءت ردود فعل الفصائل المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية منقسمة بين داعم، ورافض لقرار المجلس المركزي؛ بسبب الخوف من التفرد بالقرار، وبالتالي تعميق حالة الانقسام  لذلك لا بد من حوار شامل يؤدي إلى توافق قبل اتخاذ هكذا خطوة تتعلق بإعادة ترتيب النظام السياسي الفلسطيني، بينما الفصائل المرحب  بالقرار ترى أنه إجراء قانوني ضروري في ظل انعدام الأفق السياسي القائم وبالتالي القرار يعزز من دور منظمة التحرير الفلسطينية في المحافل الدولية المختلفة أما فصائل العمل الإسلامي فقد رفضت الخطوة، واعتبرتها غير شرعية ،وسنقوم بنوع من التفصيل لاحقاً .

عربياً: واسلامياً جاءت ردود الفعل العربية والإسلامية مرحبة باستحداث منصب نائب الرئيس ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

المملكة العربية السعودية: أعربت وزارة الخارجية عن ترحيب المملكة العربية السعودية بالإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها القيادة الفلسطينية بما في ذلك استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، نائب رئيس دولة فلسطين، وتعيين حسين الشيخ في هذا المنصب، متمنيةً لمعاليه التوفيق، والنجاح في مهام عمله الجديدة.

المملكة الأردنية الهاشمية: اعتبرت وزارة الخارجية الأردنية قرار المجلس المركزي، وتعيين حسين الشيخ خطوة إصلاحية هامة ضمن الإجراءات التحديثية التي تتخذها الدولة الفلسطينية.

مصر: في اتصال هاتفي مع نائب الرئيس، رحب وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي بقرار المجلس المركزي، وأكد على مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة لجمهورية مصر، وأنه بدون حل عادل لها فلا سلام ولا استقرار في المنطقة.

الكويت: أعربت الخارجية الكويتية في بيانها عن ترحيب الكويت بحزمة الإصلاحات التي أعلنها الرئيس محمود عباس، وأكدت دعم دولة الكويت الكامل لهذه الإجراءات الإصلاحية التي تهدف إلى تنظيم العمل السياسي الفلسطيني وتوحيد السياسات الوطنية، بما يسهم في استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتمكينه من إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

تركيا: أفادت وكالة "الأناضول" نقلا عن مصادر في وزارة الخارجية التركية بأن هاكان فيدان وأعرب عن تمنياته بالتوفيق للسياسي الفلسطيني حسين الشيخ، بعد تعيينه نائبا لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ونائبا لرئيس دولة فلسطين، وأكد، على عمق العلاقات بين فلسطين وتركيا، ووقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى تحقيق حقوقه الوطنية وفي مقدمتها تجسيد الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

دولياَ:  دعا المجتمع الدولي إلى تجديد الشرعيات عبر الانتخابات، دون معارضة صريحة لخطوة المجلس المركزي الأخيرة في دورته "32" التي عقدت في مدينة رام الله خلال الفترة من 23-24 نيسان 2025.

سادساً: التحديات والفرص الناتجة عن استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية

أ)    التحديات:

التركيز المفرط للسلطة: ينظر البعض إلى أن استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية قد يساهم في تركيز السلطة في يد الرئيس، مما قد يؤدي إلى إضعاف التعددية السياسية داخل منظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي اضعاف آلية صناعة واتخاذ القرارات.

تعميق الانقسامات بين الفصائل: قد يُعتبر هذا التعديل بمثابة تراجع عن الديمقراطية وقد يؤدي إلى تفجر الخلافات بين الفصائل الرئيسة في منظمة التحرير وفيما يلي ردود الفعل على سبيل المثال لا الحصر:

أ ) فصائل منضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية: انقسمت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية بين داعم لعقد المجلس المركزي الفلسطيني لأهمية هذه الدورة المتعلقة باستخدام منصب نائب الرئيس، في ظل المحنة التي يعيشها شعبنا العربية الفلسطيني جراء عدوان الاحتلال على شعبنا بشكل عام وعلى غزة وشمال الضفة بشكل، خاص وبعض الفصائل انسحبت او رفضت الحضور من الأساس وجاءت ردود الفعل كما يلي:

حركة فتح: ترى حركة فتح عمود الخيمة في البيت الفلسطيني الكبير منظمة التحرير الفلسطينية، استحداث منصب نائب الرئيس خطوة هامة لا بد منها نحو تعزيز السلطة المركزية داخل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مما يساعد في تحسين التنسيق الداخلي واتخاذ القرارات بشكل أكثر فاعليَّة.

الجبهة الديمقراطية  لتحرير فلسطيني: انسحب وفد الجبهة الديمفراطية لتحرير فلسطيني من المجلس المركزي في دورته الحالية رغم أهمية الدورة للمجلس المتعلق في استحداث منصب نائب الرئيس، وفي ظل تعقيدات الوضع الفلسطيني، وقد عقبت نائبة الأمين العام ماجدة المصري في كلمتها اعتراض «الجبهة» بشكل واضح على آلية عقد الدورة، في ظل غياب التحضيرات اللازمة لعقدها، وغياب الحوار الوطني بين كل الفصائل، إلى جانب اعتراضها على تصريحات الرئيس محمود عباس ضد حركة "حماس"[11]

بعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية لم تشارك في الدورة الحالية للمجلس المركزي؛ مثل: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطيني، والمبادرة الوطنية التي يتزعمها الدكتور مصطفى البرغوثي بحجة أن هذا الدورة للمجلس جاءت دون الحوار الوطني المعتاد مع القوى الفلسطينية مما يعزز الانطباع بأنها جاءت "لتنفيذ مطالب محددة بضغوط خارجية، بينما ترى الجبهة الشعبية ان هذه الخطوة تثير مخاوف بشأن تركيز السلطة في يد رئيس اللجنة التنفيذية رئيس الدولة، مما قد يعزز الهيمنة الفتحاوية داخل منظمة التحرير على حساب الفصائل الأخرى.

فصائل العمل الإسلامي (حماس والجهاد الإسلامي): في الحقيقة هذه الفصائل لا علاقة لها بمنظمة التحرير الفلسطينية وبالتالي لا يحق لها الاعتراض على مخرجات المجلس المركزي الفلسطيني من الأساس لكن جاءت ردود فعلهما على استحداث المنصب وتعيين الأخ حسين الشيخ نائباً للرئيس بالرفض وفق التالي:

حركة حماس: استنكرت حماس تعيين حسين الشيخ، وقالت الحركة في بيان، الأحد، إنها "توقفت عند قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بالمصادقة على تعيين حسين الشيخ نائبا للرئيس"، واعتبرته "خطوة مستنكرة جاءت استجابة لإملاءات خارجية، وتكريسا لنهج التفرد والإقصاء، بعيدا عن التوافق الوطني والإرادة الشعبية الفلسطينية"

الجهاد الإسلامي: قالت الحركة في بيان لها " إن اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، جاء استجابة لضغوط دولية، وإقليمية، "لاستحداث منصب نائب مزدوج لرئيس سلطة رام الله، ورئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية"

من الواضح أن هذه الفصائل تخلط بين منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية، رئيس الدولة، ونائب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الغير موجود أصلاً، وتعتبر هذه الفصائل ان تعديل النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال استحداث منصب نائب الرئيس يُعزز الهيمنة الفتحاوية على المنظمة ويقلل من فرص اتساع دائرة اتخاذ القرارات السياسية علماً أن النظام الأساسي لم يعدل من قبل المجلس المركزي لأن صلاحية التعديل مناطقة في المجلس الوطني وفق المادة "30" من النظام الأساسي كما ذكر أنفاً .

لكن حركة حماس تتناسى شرعيتها التأسيسية التي مصدرها الاحتلال؛ حيث تم الترخيص للمجمع الإسلامي[12] عام 1973، ودورها في محاربة فصائل العمل الوطني خلال حقبة السبعينات والثمانينيات من القرن الماضي، وما حماس إلا امتداد للمجمع الإسلامي بيافطة جديدة، وجريمة فصل جناحي الوطن وإقامة إمارة خاصة بهم وتشكيل حكومة أمر واقع، كما أن حماس خاضت عدة حروب أدت إلى نكبات متتالية لشعبنا العربي الفلسطيني أخرها نكبة 2023-2025 التي أدت إلى فقدان ما لا يقل عن ربع مليون فلسطيني بين شهيد، وجريح، وأسير، ومفقود، بعد تدمير البنية التحتية، والمرافق السيادية خاصة الصحية والتعليمية (مدارس وجامعات) وإعادة احتلال قطاع غزة بالكامل، وأصبحت تفاوض على إيقاف عدوان الاحتلال على أهلنا في غزة ومعونات إنسانية.

الفرص :

تعزيز الانتقال السلس للسلطة: في ظل انعدام الأفق السياسي، وتعطيل مسار الانتخابات برزت الحاجة إلى إجراءات إصلاحية تحافظ على القرار الوطني الفلسطيني المستقل، تُؤمن وتُعزز الانتقال السلس للسلطة، بما يتناسب مع تحديات المرحلة الحالية، من هنا جاء قرار استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية، نائب رئيس الدولة من قبل المجلس المركزي الفلسطيني ليعزز بنية النظام السياسي الفلسطيني وتثبيت أركانه.

تعزيز قوي الدور الفلسطيني في الساحة الدولية: يُعد القرار بمثابة خطوة هامة نحو تعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية في مختلف المحافل الإقليمية، والدولية.

فرصة للمصالحة الفلسطينية: إذا تم استثمار قرار المركزي بشكل صحيح بعيداً عن المصالح الحزبية الضيقة، قد يؤدي إلى إعادة توجيه الجهود نحو المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وتقليل الاحتقان الداخلي، وبالتالي توحيد جناحي الوطن في ظل سلطة واحدة، وسلاح واحد، وقانون واحد.

سابعاً: الخاتمة والتوصيات

الخاتمة:

إن إعادة منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دولة فلسطين بالصيغة الحالية لا يلغي الإعلان الدستوري لعام 2023  والقاضي بشغل رئيس المجلس الوطني الفلسطيني لمنصب رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية في حال غياب المجلس التشريعي الفلسطيني على أن تتم الانتخابات لانتخاب رئيس للسلطة الوطني الفلسطينية خلال 90 يوماً تجدد في حالة الضرورة لمدة مماثلة من قبل المجلس المركزي، لكنه  يمثل خطوة هامة لتثبيت أركان النظام الفلسطيني وبالتالي إعادة تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها عمود الخيمة، والبيت الفلسطيني الجامع، والممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني في كافة أماكن تواجد، مع ما يترتب عليها من تحديات قانونية وسياسية. وبالتالي يجب على القيادة الفلسطينية أن تأخذ في اعتبارها التوازن بين مركزية السلطة، وضرورة الحفاظ على التعددية السياسية داخل منظمة التحرير، بما يضمن تمثيلًا حقيقيًا لكافة الفصائل، ولا بد من الانتقال من إدارة الصراع إلى صناعة المستقبل، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية، والعمل تصليب وتمتين البيت الفلسطيني الجامع، وبذل كافة الجهود الممكنة لإنهاء الانفصال وإعادة اللحمة لجناحي الوطن سياسياً وجغرافياً،  وتحقيق مصالحة وطينة شاملة تضمن دخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى منظمة التحرير الفلسطينية وفق شروطها بعد تحولهما إلى أحزاب سياسية، ولا بد من الانتقال من إدارة الصراع إلى صناعة المستقبل من خلال بناء استراتيجية فلسطينية موحدة تدعم المشروع الوطني لفلسطيني، وتعمل على تحقيق أماني شعبنا في الحرية والاستقلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني وعاصمتها القدس.

التوصيات:

ضرورة مراجعة النصوص القانونية الخاصة بالمناصب المختلفة وتحديد صلاحياتها، توافقها مع المبادئ الديمقراطية ودستور دولة فلسطين ولابد من فصل الرئاسات الثلاث (رئيس اللجنة التنفيذية رئيس دولة فلسطين، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية) عن بعضها حتى يعود الفرع إلى الأصل لان السلطة الوطنية الفلسطينية هي الذراع الخدمي لمنظمة التحرير الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

تعزيز الحوار الوطني الشامل بين الفصائل الفلسطينية لضمان توافق جماعي قبل إعادة هندسة أو هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني.

استحداث آليات رقابة شفافة لضمان عدم تضييق النفوذ على الفصائل الصغيرة ضمن رؤية شاملة لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بما يضمن تعزيز صمود شعبا في وجه التحديات الكبرى.

ثامناً: المراجع

النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية (1964)

النظام الأساسي الحالي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

اللائحة الداخلية للجنة التنفيذية (1965)

الإعلان الدستوري الفلسطيني (2023)

قرارات المجلس المركزي الفلسطيني (الدورة 32)

جريد الشرق الأوسط.

 أحمد منصور، شاهد على العصر، مقابلة مع الشهيد الشيخ أحمد ياسين، وانظر كذلك مهيبي النواتي: حماس من الداخل ونفس العنوان لزكي شهاب.

اخر الأخبار