
دولة منزوعة السلاح في غزة !

معاذ خلف
أمد/ مبدئيا و قبل الحديث عن غزة كموقع جغرافي ، و تعداد سكاني ، و مساحة ، علينا ان نعرف ان المعركة بين الصهاينة و المقاومة قد تكون معركة صفرية ، الانتصار فيها مرتهن بتدمير ميزان القوى الذي انتجته الحرب العالمية الثانية ، و أن استمرار المعارك بهذا الشكل السائد منذ عام 1948 الى يومنا هذا ، هو استنزاف للشعب الفلسطيني سواءا بشريا او ماديا ، حيث ليس هناك ثمة مقارنة بين قوة الاحتلال العسكرية واللوجستية وقوة عناصر المقاومة ، و خير دليل ما حدث بعد السابع من أكتوبر ، عندما فكرت عناصر المقاومة الانتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم ، تم محو غزة من على وجه الأرض .
هناك مرحلة يعيها عناصر المقاومة جيدا ، و هي مرحلة الإعداد و التجهيز ، هم يعتقدون ان هذه المرحلة مرحلة مخططة على المدى القصير ، اي من عام الى عشرة اعوام ، و انا ارغب في تصحيح المفاهيم ، ان هذه المرحلة يجب ان تكون على المدى البعيد بل البعيد جدا ، حيث ان المعركة الفاصلة مع الاحتلال مرتهنة كما ذكرت سابقا بميزان القوى الذي افرزته الحرب العالمية الثانية و تقدم الغرب الداعم الأول لإسرائيل تكنولوجيا و عسكريا بل وحتى اقتصاديا .
و من هذا المنطلق على المدى القريب يجب ان تكون غزة منزوعة السلاح نبراسا للسلام يتمتع شعبها برفاهية ورغد العيش ، كأول اقليم محرر من أرض فلسطين و غير خاضع لسلطة الاحتلال ، عندما يحصل الشعب الفلسطيني على جزء محرر من ارضه لا يجب ان يحولها الى جحيم بين حروب و نزاعات بل يجب ان يصنع منها ايقونة من الجمال ليعكس للعالم مدى براعته في ادارة شؤون الدولة في حال انه استرد كامل ارضه من الاحتلال .
وليتحول النزاع و الصراع الى صراع سياسي غير مسلح ، بحيث نقتل التميز الإسرائيلي في هذا الجانب الى ان يحين الوقت .
قطاع غزة كموقع جغرافي محاصر تماما حيث يحده شمالا وشرقا و جنوبا حصار اسرائيلي ، و غربا حصارا مصريا ، اضافة الى حصار بري و بحري و جوي ، اما عدد السكان و المساحة فليس هناك ثمة تناسب مطلقا من حيث تعداد السكان البالغ اثني مليون غزاوي و مساحة القطاع المقدرة ب 365 كيلو متر مربع ، و ان هذا التناسب لا يسمح لغزة كقطعة جغرافية في الدخول في حرب مسلحة حيث اننا بكل المقاييس سنكون الخاسرين نظرا لأن معظم خسائرنا ستكون من المدنيين ، او ان المقاومة ستتخذهم كدروع بشرية كما حدث بالحرب بعد السابع من اكتوبر .
ما اريد قوله أننا بإمكاننا إدارة صراعنا مع الاحتلال الى مستوى سياسي دولي و اقليمي ، و لنجعل غزة كقطاع محرر من ارضنا مثالا للرقي و التحضر و المدنية و اقرب الى المدينة الافلاطونية ، ولنحيدها تماما عن الحروب ، و لنجعل الحماية مفروضة دوليا من خلال استقطاب حكاما يحظون بتأييد دولي واسع من كافة مراكز القوى بالعالم بل و حتى اسرائيل .
اتوقع ان ياسر عرفات رحمه الله قد وصل لهذه الحقيقة عندما اقدم على توقيع اتفاق اوسلو ، و اتوقع ان على المقاومة و على رأسها حماس ايضا ان تراجع حساباتها لتصل الى هذه الحقيقة حتى نتقدم الى الامام ولا نعود للخلف .
اول الخطوات يجب ان تكون قبول حماس بنزع السلاح بعيد المدى وهو بالمناسبة ما تم فقدانه و تدميره في الحرب الاخيرة ، اي فقط بحاجة للتوقف عن التصنيع ، و الانخراط كحزب سياسي في المعادلة السياسية الفلسطينية .
أعتقد ان على مصر و قطر ان يرعيان خطوات هذا الاتفاق مع المبعوث الامريكي ويتكوف بقبولهم بغزة دولة منزوعة السلاح ، و بإنخراط حماس كحزب سياسي ، في المقابل انسحاب اسرائيل تماما من قطاع غزة و رفع الحاصر و التوقف عن اختراق اجواءه ، بل والشروع في انشاء مطار و موانئ ضمن خطة اعادة الاعمار عابرة للحدود انطلاقا نحو العالم .
هذه دعوة للسلام الى كل من اسرائيل و المقاومة الفلسطينية ، و تغيير جوهري في إدارة الصراع و تغيير ادواته ، فإما ان نستغلها او ان نستمر في صراع اشبه بمعادلة صفرية لا حلول لها .