مصر بين الوساطة والقرار

تابعنا على:   17:43 2025-04-15

نمير العمري

أمد/ في مرحلة إقليمية تتّسم بالتقلبات الحادة وإعادة تشكيل موازين النفوذ، تبدو مصر أمام فرصة للانتقال من دور الوسيط التقليدي إلى لاعب إقليمي مقرر، في مشهد ترسمه التحولات في الحرب على غزة، وتعيد صياغته الولايات المتحدة تحت عنوان "تفكيك الساحات".
اليوم تتعرض حماس لتفكيك داخلي. فقد جرى إضعاف جناحها الإيراني عبر العزل والضغط العسكري، فيما تقلصت فعالية جناحها القطري-التركي بفعل الضغوط السياسية وتبدل الأولويات الإقليمية. في هذا السياق، تبقى حماس المصرية الورقة الأكثر تماسكاً، والأقرب لمركز القرار المصري، وهو ما منح القاهرة ثقلاً متزايداً في ملفات التسوية.
ولعل ما يكرس هذا الدور الجديد هو التهافت الخليجي الواضح نحو مصر، بدءاً من زيارة رئيس دولة الإمارات إلى القاهرة في 23 مارس 2025، مروراً بجولات السيسي إلى قطر والكويت. هذه التحركات لا تعكس مجرد علاقات ثنائية، بل تُفهم كإعادة تموضع خليجي حول مركز ثقل إقليمي. ومع تراجع الأدوار التقليدية لبعض القوى العربية، تبرز مصر كخيار يُراهن عليه لتأمين المصالح المشتركة وضمان الاستقرار الإقليمي.
زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة لم تكن منفصلة عن هذا السياق. فهي تمثّل قراءة أوروبية لمعادلة جديدة تُكتب في المنطقة، حيث يتزايد النفوذ الأميركي عبر أدوات عسكرية غير تقليدية، وتنهار معها أنماط الوساطة الكلاسيكية. أوروبا، التي تجد نفسها على هامش القرار، تسعى عبر مصر لاستعادة موطئ قدم سياسي في ملف بدأ يأخذ طابعاً جيوسياسياً يتجاوز مجرد صراع فلسطيني-إسرائيلي.
لكن الأخطر من كل ما سبق، هو ذلك الإحساس العميق الذي يتسرّب إلى العواصم العربية الكبرى: أن ما يجري هو تمهيد لخطة دولية شاملة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، ليس على مستوى الأنظمة فحسب، بل في الجغرافيا، والهويات، وربما بُنية الشعوب نفسها. هذا الخوف، الذي تجاوز مرحلة القلق، يعكس إدراكاً بأن الحرب على غزة قد تكون بداية لمشروع أكبر، تتغيّر فيه قواعد اللعبة وحدود الملعب معاً.
وسط هذا كله، تقف مصر أمام اختبار تاريخي. فهل تُحسن توظيف لحظتها السياسية لتكريس دورها كضامن إقليمي وصانع تسويات.

اخر الأخبار