
هل باتت المواجهة بين تركيا وإسرائيل في سوريا حتمية؟

ماجد عزام
أمد/ وصلت اجتهادات إعلامية عديدة إلى حد توقع مواجهة أو صدام عسكري بين تركيا وإسرائيل في سوريا، إلا أنني أعتقد أن هذا لن يحدث لأسباب عديدة أهمها عدم واقعية ومنطقية السياسات الإسرائيلية في سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد، وتعرضها لانتقادات ليس فقط من إعلاميين وإنما داخل المؤسسة الأمنية العسكرية بالدولة العبرية، كما جدية تركيا في الدفاع عن مصالحها بما في ذلك سيرورة بناء سوريا الجديدة الموحدة القوية المزدهرة ضمن مظلة حماية عربية تركية دولية واسعة ودخول أمريكا دونالد ترامب على الخط للتقريب بين الجانبين، لكن شرط طرح إسرائيل مواقف عقلانية ومقبولة حسب تعبير ترامب الحرفي الذى استخدمه بمواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتن ياهو، وقبل ذلك وبعده القيادة في سوريا الجديدة المدعومة عربياً وتركياً ودولياً والتي تتبنى سياسة وطنية وعقلانية ومسؤولة، وهي ليست بوارد الصدام مع إسرائيل أو تهديد أي من دول الجوار، مع تمسكها باتفاقية فك الاشتباك الأممية مع إسرائيل بموازاة الدفاع عن مصالحها الوطنية وسيادتها ووحدة وسلامة أراضي سوريا التي تريد تل أبيب النيل منها مع دعم علني للخطط الانفصالية، وإعادة إحياء حلف الأقليات "الميت سريرياً" من أجل تقسيم البلاد أو بالحد الأدنى إبقائها ضعيفة ومشتتة للأبد.
بداية ومنهجياً، لا بد من العودة إلى اليوم التالي لسقوط نظام بشار الأسد-كانون أول ديسمبر الماضي- وتحرر وانتصار الشعب السوري بعد سنوات بل عقود من الصمود العنيد والتضحيات الهائلة بمواجهة النظام الاستبدادي، حيث بادرت إسرائيل إلى استخدام القوة الغاشمة ليس فقط عبر احتلال المنطقة العازلة التي تنتشر بها قوات أندوف الأممية وفق اتفاقية فك الاستباك-1974- والجزء السوري من جبل الشيخ في انتهاك فظ للاتفاقية وانما بالتوغلات البرية خارجها لإقامة ما تسميه تل أبيب منطقة آمنة منزوعة السلاح" ضمن الهوس بالمصطلح كما نرى في لبنان وغزة"، وحملة قصف مكثفة وتدمير همجي لمقدرات القوات المسلحة والدولة السورية لمنع القيادة الجديدة من استخدامها، وعرقلة وتأخير إعادة بنائها لأبعد مدى زمني ممكن بعدما كانت تعتقد تل أبيب أنها مؤمنة وتحت السيطرة زمن نظام بشار الأسد.
بالسياق، طرحت إسرائيل سرّاً وعلناً أحلامها أو للدقة أوهامها بتقسيم سوريا وخلق خمس مناطق نفوذ وتبعية دولية-أمريكية وروسية واسرائيلية وتركية مع كيان ما هلامي بدمشق- تحت الاسم الحركي الفدرالي كما سعت إلى نسج علاقات مع بعض مكونات الشعب السوري في إحياء تحالف الأقليات وهي الفكرة القديمة لمؤسس الدولة العبرية دافيد بن غوريون التي تبناها بعد ذلك نظام آل الأسد في سوريا ولبنان والمنطقة محققاً نجاحات تكتيكية وجزئية، وفي النهاية كان السقوط الاستراتيجي والمدوّي له ولحلفائه في سوريا ولبنان وعموم المنطقة أيضاً.
دعمت تركيا بالمقابل منذ اندلاع الثورة المطالب المحقة للشعب السوري و سقوط النظام الفاشل غير المستعد لأي تنازلات سياسية، ناهيك عن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وبالتحديد القرار 2254، ورفض اليد التركية الممدودة والتي فهمها النظام وحلفائه وأبواقه الإعلامية بشكل خاطئ ثم دفع الثمن عبر سقوطه المدوي وفق كل الحتميات التاريخية والفكرية والسياسية والعسكرية والواقعية بعدما تآكلت قوة الجيوش الأجنبية الداعمة له ضد إرادة الشعب الثائر وبعدما كان قد سقط فعلاً عندما خط أطفال درعا بأناملهم الرقيقة يسقط الديكتاتور.
رغم ذلك كله تبدو تركيا متنبهة وحساسة لاحتمالات فرض هيمنتها على سوريا الجديدة وسعت لخلق مظلة
حماية عربية ودولية لها مع التمسك بالمحددات الثلاثة التي يمكن تسميتها مبادىء العقبة والمتمثلة بوحدة وسلامة الأراضي السورية-رفض التقسيم- ومحاربة الإرهاب-رفض عودة تنظيم داعش- وعملية سياسية
انتقالية شاملة دون اقصاء أو تهميش ومن هنا جاء التفكير بتفاهمات واتفاقيات أمنية وعسكرية وإقامة قواعد تدريبية تركية في سوريا علماً إن الحديث لا يتعلق بقواعد وتموضع استراتيجي-تركيا أصلا دولة متوسطية ولها حضور بالمياه الدافئة- كما فعلت روسيا في حميميم وطرطوس وكما حاولت إيران أن تفعل دون نجاح لسنوات طويلة.
ومن هنا نما وتطور التباين التركي-الإسرائيلي في سوريا بظل رفض تل أبيب غير المبرر أو المنطقي أو الشرعي لسيرورة بناء سوريا الجديدة وقصف المطارات والقواعد-حمص وحماة- التي كان يفترض ان تكون نواة للخطط التدريبية التركية السورية.
وبالعموم تركيا لا تبحث عن الصدام بأي حال من الأحوال وهي تعترف بإسرائيل والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية ليست مقطوعة بين الجانبين وإنما مجمدة أو معلقة مؤقتاً إلى حين وقف الحرب غزة-بات مسالة وقت فقط- علماً إن البضائع التركية المتعلقة بها إسرائيل لا تزال تتدفق إليها عبر طرق التفافية عديدة تشمل رام الله وأثينا بشكل أساسي.
بالسياق شهدنا دخول أمريكا- ترامب على الخط بعد توجه إسرائيلي أساساً لكن تلقى نتن ياهو رد صادم له وللدقة منطقي وعلقاني مفاده إن واشنطن مستعدة للوساطة والمساعدة لكن شرط طرح تل أبيب مطالب عقلانية ما يعني الاقتناع إنها لا تملك حق الفيتو على العلاقات التركية السورية ولا سيرورة بناء سوريا الجديدة في أبعادها المختلفة الدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية.
وخشية للصدام والمواجهة انعقد حوار تركي إسرائيلي تقني في أذربيجان لخلق الية لتحاشي الاشتباك بظل رغبة مشتركة بعدم حدوث ذلك حيث تشبه الالية المتوقعة بالشكل فقط تلك السابقة والساقطة بين موسكو وتل أبيب بمعنى استبعاد إقامة خط ساخن للإبلاغ عن الهجمات الاسرائيلية قبلها كساعات كما كانت تفعل تل أبيب مع موسكو كون تركيا ترفضها جملة وتفصيلاً وتعتبرها استفزازاً يهدد سيادة وسلامة ووحدة استقرار سوريا و ينعكس سلباً على تركيا بشكل مباشر وخطير حسب التعبير الحرفي لوزير الخارجية هاكان فيدان.
في الأخير باختصار وتركيز لا تراجع أبداً من قبل تركيا عن مساعدة الدولة السورية وفكرة إقامة قواعد تدريبية وغرفة عمليات لمحاربة الإرهاب بشراكة تامة مع دول الجوار السوري- الأردن والعراق ولبنان- وفق ما تم باجتماع العاصة الاردنية عمان ويحظى بدعم دولي واسع .
من جهتها طرحت إسرائيل وعلى طريقتها سقف عالي جدّاً رغم إدراكها إن نظام الأسد ترك وراءه أرض مدمرة ومحروقة ثم بادرت لقصف ما لم يدمره الأسد بعد انسحابه المشبوه من المناطق الحدودية الاستراتيجية بالجولان وجبل الشيخ، وقراره حل الجيش ليلة هروبه لنشر الفوضى. ولا شك بوعي "تل أبيب" بحقيقة إن أقصى ما يمكن الوصول يتمثل بالتزام دمشق باتفاقية فك الاشتباك وانتشار القوات الدولية بالمنطقة العازلة كما أنها تعي جيداً إن سيرورة بناء الدولة السورية الجديدة تستغرق سنوات وربما عقود طويلة وهي ليست بوارد تهديد أحد بما في ذلك إسرائيل ولكن دون الاقرار باحتلالها الأراضي السورية والنيل من سيادتها ووحدتها وهو ما سيكون موضوع القراءة القادمة إن شاء الله