مرة أخرى… رفح كمنعطف في حرب غزة

تابعنا على:   16:56 2025-04-08

ماجد عزام

أمد/ تمثل مدينة رفح بموقعها الجغرافي والجيوبوليتيكي مرة أخرى منعطفاً مفصلياً في الحرب الإسرائيلية ضد غزة بعدما كان الحال كذلك في أيار/ مايو العام الماضي، ولكن للأسف لم يتم التعاطي بمسؤولية وجدية مع خطط إسرائيل لاجتياح المدينة الاستراتيجية بمعبرها ومحورها الحدودي مع مصر وعدد النازحين فيها الذي لامس مليون ونصف، إضافة إلى عدد سكانها البالغ ربع مليون أي ثلثي الغزيين تقريباً عاشوا بظروف إنسانية معقولة جداً، بل على العكس جرى التعاطي مع التهديدات الإسرائيلية بخفة وسطحية وضيق أفق وقصر نظر وبما لا يتلاءم مع شراسة الحرب واتضاح النوايا الإسرائيلية تجاه غزة وأهلها. والآن يتكرر المشهد نفسه وللأسف أيضاً دون اكتراث أو تعاطي فلسطيني مسؤول وحكيم مع  محاصرة المدينة وعزلها عن محيطها والتهديد باجتياح ومحاصرة أحد أهم وأكبر أحيائها "تل السلطان"، ومع الأخطار السابقة ثمة تهديد إضافي ذا طابع جدي وخطير واستراتيجي يتمثل بتهيئة الظروف أمام تنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير أهل غزة، والتي باتت إسرائيلية بامتياز مع تشكيل إدارة رسمية للإشراف على التهجير القسري وإظهاره طوعياً، وهو تحوّل غير مسبوق بالدولة العبرية حتى مع خطط الترانسفير العديدة السرية والعلنية في غزة والضفة الغربية وفلسطين التاريخية بشكل عام.

بداية، لا بد من التذكير بأهمية رفح الاستراتيجية باعتبارها البوابة الجنوبية للقطاع ويمثل معبرها المنفذ الوحيد للغزيين على المحيط العربي "مصر" و العالم الخارجي، إضافة إلى مزايا المدينة التاريخية السياحية والاقتصادية والزراعية علماً إنها كانت منطقة حرة زمن الإدارة المصرية في ستينيات القرن الماضي ومع شهور الحرب الأولى وأوامر التهجير الإسرائيلية في الشمال ثم خان يونس احتضت المدينة مليون ونصف نازح مع ضغط أمريكي زمن إدارة جو بايدن للتخلي عن العملية العسكرية فيها إفساحا بالمجال نحو إنهاء الحرب، واستمرار فتح المعبر وتدفق المساعدات الإنسانية للمدينة والقطاع بشكل عام.

بالسياق لابد من التذكير إن المشهد الرفحي في أيار/ مايو الماضي مثل نقطة مفصلية في الحرب برمتها مع التهديد الاسرائيلي باجتياح المعبر والمحور حيث تم التعاطي بخفة وسطحية مع رد أحدهم بالقول " يدخلوا رفح ويخلصونا"،  بينما قال قيادي آخر" شو بدهم يعملوا برفح أسبوعين وبطلعوا"  بينما اجتاحها الاحتلال واحتل المعبر والمحور خلال أيام قليلة  ودمر المدينة بشكل شبه كامل حيث أعلنتها البلدية منكوبة مع تهجير أهلها والنازحين وحصرهم بمنطقة إنسانية زوراً،"المواصي" بين رفح وخان يونس  ومع إغلاق المعبر ومنع دخول المساعدات باتت الظروف الإنسانية مزرية وتضاعف عدد الضحايا-شهداء وجرحى- وابتعد شبح اتفاق وقف اطلاق النار لست شهور تقريباً إلى كانون ثاني يناير الماضي.

 والشاهد إنه تم التعاطي مع اجتياح المدينة بخفة وسطحية ولا مسؤولية ، ولم يتم الاستلقاء على الجدار بالمعنى السياسي لإنقاذ المدينة وغزة بشكل عام والآن مرة أخرى يتكرر المشهد  مرة أخرى بحذافيره ضمن أهداف أخرى  تتضمن إطالة الحرب "الأبدية" خدمة لمصالح  بنيامين نتن ياهو وحكومته العنصرية المتطرفة و الضغط على المدنيين وتدمير ما تبقي من القطاع  وتقسيمه لتسهيل السيطرة الكاملة عليه بعدما جرى تأسيس بني تحتية لإعادة اجتياحه عند الحاجة، وفي السياق شهدنا ابتداع  محور موراج أو فيلادلفيا 2 كما سمّاه  نتن ياهو وهو بالحقيقة  نتسريم 4 –الثالث قسم شمال القطاع إلى شمالين - ضمن متلازمة المحاور الأمنية والعازلة المنبثقة من ذهنية الاحتلال التوسعية.

ضمن الذهنية نفسها نشهد عزل مدينة رفح بالمعبر والمحور عن محطيها الفلسطيني والمصري والعربي، وجعلها أقرب إلى حيز جغرافي بشري محاصر ومعزول عن مصر بمحور فيلادلفيا، وعن خان يونس وباقي قطاع غزة  بموراج –فيلادلفيا 2- وبأقل عدد من السكان علماً إن هذا يندرج ضمن تهيئة الظروف أمام تنفيذ خطة التهجير    لترامب – نتن ياهو مع تجويع اللاجئين وتدمير ما تبقى من رفح وغزة عموماً ووضع الناس  أمام معادلة "العدو وراءكم والبحر أمامكم" مع سفن جاهزة للانتشار على شواطئ غزة  لتنفيذ التهجير باللحظة المناسبة وهي الخطة التي لم تعد سرية أو خفية كما قال المعلّق العسكري لهآرتس عاموس هرئيل الأحد الماضي

 بمواجهة المعطيات والوقائع السابقة نجد أنفسنا أمام انغلاق وضيق أفق وقصر نظر وبيانات وخطابات وشعارات لغوية وإنشائية ومناشدة العالم كله للتدخل ووقف الخطط والممارسات والجرائم الإسرائيلية دون الانتباه إلى حقيقة إن ما لم يتحقق خلال عام ونصف لن يتحقق خلال أيام خاصة مع عودة دونالد ترامب "المظفرة" إلى البيت الأبيض واعطائه الضوء الأخضر لنتن ياهو وحكومته للمضي قدماً في سياساتها وخططها التوسعية المعلنة تجاه غزة والضفة وفلسطين بشكل عام.

هذا يعني بالضرورة-كما كان الحال دائماً-  الحاجة لاعتمادنا على أنفسنا وقوانا الذاتية غير البسيطة أو المتواضعة مع عدالة القضية وعناد الفلسطينيين وصمودهم ومع عدم تبرئة السلطة  برام الله المنفصمة والمنفصلة عن الواقع والعاجزة عن القيام بواجباتها باعتبارها القيادة الفلسطينية الرسمية المعترف بها إلا أن حماس  تتحمل بالتأكيد المسؤولية الأساسية باعتبارها سلطة الأمر الواقع الفعلية في غزة –مجازاً حيث لا سلطة عملية ولا حياة بالمعنى الدقيق للمصطلح هناك_، لكن مع الفراغ القيادي والمؤسساتي لا تبدو الحركة  للأسف قادرة على قراءة الوقائع واتخاذ قرارات شرعية وجريئة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

في الأخير باختصار وتركيز كان المخرج ولا يزال هو نفسه آنذاك-أيار مايو الماضي- واليوم ويتمثل التضحية الحزبية من أجل فلسطين، والحفاظ على جوهر القضية العادلة وعودة السلطة الرسمية على علاّتها لتحمل المسؤولية بغزة وعنها، ضمن رؤية شاملة وجدية لإنهاء الانقسام وتشكيل حكومة توافق وطني، وإبقاء الأفق الوطني والسياسي والجغرافي مفتوحاً من غزة نحو القدس والضفة والدولة الفلسطينية.

 

اخر الأخبار