
مساعدات ورهائن ..

حسام خضرا
أمد/ منذ أن دخل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ تناول الغزيون الأمر بفرح شديد في محاولة للملمة شتات أنفسهم والتعالي على الجراح والبحث عن المفقودين وإكرام الموتى في الشوارع بدفنهم، لكن حركة حماس كان لها رأي آخر اقتصر على إدارة اللقطة الفنية التي يمكنها تجميل صورة الهزيمة والخذلان وتحويلها إلى نصر مبين كما يعتقد أولئك المغيبين.
بدأت حماس اتفاقها مع إسرائيل بالإفراج عن الرهائن مقابل خروج مئات الأسرى الفلسطينيين وآلاف الشاحنات التي تحمل المساعدات لسكان القطاع، وتحول الأمر إلى استعراض للقوة في رسالة مفادها أن الحركة باقية في الحكم حتى وإن كان على أنقاض المدينة دون أي اعتبار لقراراتهم ومراهقتهم السياسية وغبائهم الاستراتيجي الذي قاد المدينة إلى نكبة فاقت خيال السكان الذين لم تكن مخيلتهم الضئيلة تدرك أن شيئاً كهذا سوف يحدث يوماً.
وعلى اعتبار أن العقد شريعة المتعاقدين فإن المساعدات الإنسانية كانت جزءاً لا يتجزأ من الاتفاق بين حماس وإسرائيل، وحتى الآن فإن طرفي الاتفاق أوفياء لبعضهما جداً في تنفيذ التفاصيل الدقيقة حتى وإن كان التصعيد الإعلامي على قدم وساق، لكن يبدو أن سكان غزة كما كانوا في الحرب مجرد ضحايا ودماء باتوا في السِلمِ أيضاً مجرد متفرجين على تلك المباراة بين طرفي الصراع فتارة يتغنون بهم وهم يصطفون حول المنصات التي تولي لها حماس اهتماماً خاصاً، لكن وحين يتعلق الأمر بالمساعدات فإن حماس وكما يقول المثل المصري "عاملة من بنها" أي أنهم يتظاهرون بأن الأمر لا يعنيهم من قريب أو بعيد.
إن كمية المساعدات الإنسانية والشاحنات التي تدخل إلى قطاع غزة يومياً كفيلة بأن تسد رمق متعففي القطاع الذين تقطعت بهم السبل خاصة بعد عودتهم من الجنوب إلى المناطق الشمالية التي انعدمت بها سبل الحياة بسبب الدمار الذي خلفته آلة الحرب الإسرائيلية، لكن حماس تصر على العمل بمبدأ القيادي خليل الحية حين قال "مال حماس لحماس"، فجميع الشاحنات تدخل إلى مخازن الحركة أولاً قبل أن تبدأ رحلتها وصولاً إلى عرضها في الأسواق بأسعار فلكية.
ولتبرير موقف الحركة من ذلك، بدأت الأذرع الإعلامية التابعة لحماس بالترويج لفكرة أن المواطنين الذين يحصلون على المساعدات بشكل مجاني يفضلون الحصول على السيولة المالية ولذلك يقومون ببيعها للتجار والذين يقومون بدورهم بعرضها في الأسواق مرة أخرى، وللعارفين بطبيعة الحال في القطاع فإن الوقت الحالي يعتبر حرجاً ولا يساورني أدنى شك بكذب هذا الادعاء نظراً لأن المال أصبح غير ذي قيمة في القطاع، فالأولى هو الاحتفاظ بالطرود الغذائية بدلاً من بيعها للحصول على السيولة ومن ثم شراء الطعام مرة أخرى بتلك السيولة.
إن ما يحدث الآن هو جريمة مكتملة الأركان بحق السكان في قطاغ غزة، بدءاً من حالة الاستعلاء والتباهي بالقوة المزيفة أمام الكاميرات في عمليات تسليم الرهائن وليس انتهاء بسرقة المساعدات وتخزينها وبيعها للمواطنين بأسعار فلكية، وإن كانت حماس حقاً تدافع عن الشعب ومصالحه كما تدعي لكان الأولى لعناصرها الانتباه لفتح الطرق وتشغيل الحفارات التي تساعد في وضع منصات تسليم الرهائن في البحث عن المفقودين تحت الأنقاض، فهناك آلاف الجثث ما زالت تحت الركام.
لكن حماس تدرك جيداً أنها خسرت قاعدتها الجماهيرية في قطاع غزة كما أن حكم القطاع باقٍ في يدها حتى هذه اللحظة ولا داعي لدفع المزيد من التكاليف للسكان هناك، وكل تلك البروباجندا الإعلامية المصاحبة لعمليات تسليم الرهائن موجهة لقاعدتها الجماهيرية في الخارج والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من قوتها خاصة أن مشاهداً كهذه تدغدغ مشاعر المنتصرين خلف الشاشات، فمقاييس النصر بالنسبة لمثل هؤلاء لا ترقى إلى المستويات الطبيعية، وربما يفاجئك أحدهم حين يقول بأن التيارات الإسلامية تعتبر قتل عناصرها نصراً وبقائهم على قيد الحياة نصراً ونفيهم نصر أيضاً واختفائهم تحت الأرض نصر ومقتل قادتهم نصر وتدمير مدينتهم نصر، لذلك فإن سكان غزة أصبحوا يعيشون في دوامة كبيرة من الانتصار ولا مجال لتجرع طعم الهزيمة مع كل هؤلاء.
وما يهمنا الآن كشاهدين ومشاهدين لهذه الحقبة الزمنية هو توصيل الحقوق لأهلها لذلك فإن الأساس في الحياة هو الإنسان وإكرامه يكون بمنحه الأساس اللازم لاستمرارية الحياة الآدمية حتى ولو بمقدار بسيط، والغذاء والكساء أساس كبير تقوم عليه الإنسانية وتعمل غالبية الدول الآن على توفيره لسكان القطاع على هيئة مساعدات مجانية، ولا بد أن تصل تلك المساعدات إلى مستحقيها لأن من يسرق اليوم غذاء السكان لن يكون مؤتمناً على أموال إعادة إعمار مساكنهم في حال وصلنا إلى هذه المرحلة.