
الطوفان، الخراب ووعي السلطة

د. رياض عبدالكريم عواد
أمد/ من مؤشرات الحفاظ على الذات في الحالة الفلسطينية تدني الوعي بأهمية وجود سلطة وطنية تحكم البلاد والعباد والقبول باي سلطة في الحكم والعمل معها وقبولها والانصياع لحكمها. لقد قبل الفلسطيني وتعايش تحت حكم الاسرائيليين والاردنيين والمصريين والفلسطينين، تحت حكم السلطة الوطنية وحكم حماس، رضينا بالبين والبين ما رضي فينا.
قد يكون لهذا الفهم والواقع الفلسطيني احد اسباب فشل الفلسطينين في الاستقلال.
تاريخيا لم يحظ الفلسطيني بوجود سلطة وطنية تحكمه وبالتالي لم يتعلم أهمية وعي السلطة.
بعد النكبة الأولى تشتت الفلسطينيون بين القبائل واستطاعت كل قبيلة عربية أن تلتهم جزءا من الفلسطينين وقطعة من ارضهم، ناهيك عن إسرائيل التي التهمت الجزء الأكبر من الأرض الفلسطينية وقبلت بوجود جالية فلسطينية صغيرة بين ظهرانيها لا تتعدى ال150 الف نسمة، وهي تندم الان على هذا الخطأ التاريخي وتعمل على إصلاحه بعد أن تحولت الجالية إلى قومية فاعلة تشكل خطر وجودي عليها.
فشل الفلسطينيون لأسباب عربية في الغالب في المحافظة على حكومة عموم فلسطين التي أنشأت بقرار عربي في ٢٢ سبتمبر 1948 اثناء حرب النكبة. الرفض العربي لاقامة هذه الحكومة يوضح بجلاء امرين، اطماع الدول المجاورة فيما تبقى من الأرض الفلسطينية ومنع الاستقلال الفلسطيني الذي يمثل خطر على إسرائيل، هذا جوهر ما خططت له دولة الانتداب بريطانيا، احتلال إسرائيل للارض الفلسطينية وابتلاع الدول العربية المجاورة لما تبقى من هذه الأرض ومنع قيام كيان وطني فلسطيني مستقل.
تم تسليم الضفة الغربية لامارة شرق الأردن بقرار من ممثلي اهل الضفة في مؤتمرهم في اريحا في ديسمبر 1948 وتحولت الإمارة إلى مملكة وانعمت بجنسيتها على أهل الضفة في 1950، حيث انتقل الكثير من اهل الضفة للعيش في عمان وفرح من بقي منهم بهذه الجنسية وجواز السفر الذي يمكنه من التنقل والسفر والحياة وعاشوا حياة هنية مازالوا يدافعون عنها ويرغبون بها.
لم تعد الهوية الفلسطينية تشغل بال هذا التجمع الفلسطيني الذي قبل واندمج في أردنيته وفي مؤسسات الأردن، ومن حاول أن يكون له رأي مخالف بالخصوص فسجون الصحراء وكرباج جنود البادية تنتظر ظهره العاري.
وغزة البائسة بقيت تعيش على الوثيقة المصرية التي لا تمكنها من دخول البلد التي انعمت بها على أهلها الغلابة الا بعد تأشيرة دخول مسبقة. تعلم الفلسطينيون في الجامعات المصرية مجانا وانتقل إعداد منهم خاصة المدرسين للعمل داخل مصر. رضي اهل غزة بهذا وواصلوا رفع شعارات رفض التوطين ومشاريع التهجير.
حال اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات كما هو حال اهليهم على أرض الوطن يبكى عليه، فقد أصبحوا ينتظرون الإغاثة التي تقدمها لهم الانروا مرتين في الشهر، لأنها الوسيلة الوحيدة التي تساعدهم على حفظ الحياة.
استمرت التبعية الفلسطينية للأنظمة العربية إلى أن قامت م ت ف في 1964 وتفجرت حركة فتح في 1965 وانهزمت الانظمة العربية في 1967 واستطاع الفلسطينيون من خلال فصائل الثورة الفلسطينية والكفاح المسلح إعادة بعث الهوية الوطنية الفلسطينية من جديد، بعد أن اندثرت لسنوات طويلة.
كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى من أبرز علامات انبعاث الهوية الوطنية بعد أن ترسخت هذه الهوية على الأرض وفي المؤسسات الفلسطينية التي بنتها م ت ف في سنوات طويلة داخل الجامعات والمدارس والنوادي الرياضية والمؤسسات الثقافية والاقتصادية وفي الحواري والمخيمات وفي كل بقعة في الأرض الفلسطينية المحتلة.
وكانت اسلو احد ثمار هذه الانتفاضة المباركة التي حاول فيها الفلسطينيون لأول مرة في تاريخيهم بناء سلطة وطنية على الأرض الفلسطينية، بنت السلطة المؤسسات وخلقت الكوادر والاطر التي تليق بدولة تشبه هذا الشعب الفلسطيني العظيم.
استفاق اليمين الإسرائيلي من غفوته وهو يشاهد هذا الصرح الوطني الفلسطيني يعلو ويستمر في البنيان ويشار له بالبنان والاعتراف من أغلب دول العالم.
تعاون اليمين الإسرائيلي مع اليمين العربي والفلسطيني وكان انقلاب حماس الأسود في 2007 ليكون حجر الأساس في تدمير اهم حلم وطني ومحاولة جادة على طريق الاستقلال والحرية. استطاعت حماس أن تهزم السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني وتقيم امارتها على الخراب الذي أتى بالطوفان في السابع من أكتوبر الأسود 2023.
هذا الخراب والطوفان سببه الحقيقي والاول عدم مقدرة الشعب الفلسطيني وفشله في بناء سلطة وطنية مستقلة ترعى الشعب وتطبق القانون وتمنع أعداء الشعب في الداخل من التعاون مع مصالح دول الخارج التي تتآمر عليه. لقد تامروا على مشروعنا الوطني ونجحوا في ذلك بسبب ضعفنا وهواننا على أنفسنا وتدني وعينا بأهمية وجود سلطة وطنية مستقلة لنا، تمثلنا وترعانا، تدافع عنا وندافع عنها.
مازالت مفاعيل هذا الخراب قائمة وهي تنذر بخراب عظيم ليس من السهل على الشعب الفلسطيني في ظل الظروف التي تحيط به أن ينجو منها.