من هم اللصوص الحقيقيون بغزة؟
علاء مطر
أمد/ بالصدفة، قرأت منشورا لكاتب فلسطيني في غزة، يدّعي فيه أن الأسواق في وسط وجنوب قطاع غزة قد بدأت تمتلئ بالأكل والخضار بجميع أنواعه، وأن فيها ما لذ وطاب، مثنيا على القوة الأمنية التابعة لحماس وخصوصا "وحدة سهم"، لأنها تعاقب الحرامية واللصوص، وأنه مهما فعل الاحتلال وغيره، فلن يستطيع تغييب حكم حماس لغزة، لأنهم عصاة سحرية.
ولكن نسي الكاتب الشهير المقرب من الحركة، أن حماس قد تركت اللصوص وقُطاّع الطُرق تقوم بسرقة الشاحنات والاعتداء على المواطنين وسرقة أموالهم وممتلكاتهم بشكل يومي برئاسة مجرمين معروفين لهم، كان أبرزهم ياسر أبو شباب وعز وسعد وأكرم جرغون ومعهم مجموعة تعاونهم على أفعالهم الإجرامية، على مدار 13 شهرا من الحرب دون رادع أو حسيب، رغم الشكاوى التي تصلهم من التجار الذين يتم توقيفهم ومركبات الجمعيات الخيرية ومصادرة أموالهم وفرض أتاوة للمرور ومصادرة بضاعتهم، حتى فاقت حماس من غفلتها وجرى ما جرى في خانيونس قبل يومين، حيث تعاملت فرقة سهم مع اللصوص والمجرمين عند شارع صلاح الدين.
اتفق مع الجميع على أن سرقة شاحنات المساعدات الإنسانية في قطاع غزة تمثل إحدى القضايا البالغة الخطورة في ظل الأزمة الإنسانية التي يعيشها السكان هناك، خاصة بعد الهجمات والدمار الذي لحق بالمنطقة، وفي ظل هذه الظروف، تحاول بعض الجهات الأمنية والمجموعات المحلية تطبيق إجراءات للحد من هذه السرقة وضمان وصول المساعدات إلى المحتاجين، لأن السرقات واستغلال الظروف الصعبة في غزة أصبحت قضية متكررة، حتى أن بعض الفصائل المسلحة أو الأفراد قد استغلوا غياب الأمن أو الفوضى لسرقة المساعدات من الشاحنات، ما يعرقل وصول الإغاثة للمتضررين ويزيد من معاناتهم.
كما أتفق مع الكاتب أن أحد أكبر التحديات في غزة هو تواجد العديد من الفصائل المسلحة والجهات المختلفة التي قد تتنافس على الموارد أو تفرض سيطرتها على بعض المناطق، مما يجعل تأمين الشحنات الإنسانية مهمة صعبة. الفوضى الأمنية وغياب الاستقرار قد يؤديان إلى زيادة عمليات السرقة، مما يفاقم الوضع الإنساني، في ظل هذه التحديات، يظل الأمل في تكاتف جميع الجهات الفاعلة (السلطات الأمنية، العشائر، المنظمات الإنسانية) لضمان وصول المساعدات بشكل آمن وبسرعة إلى المحتاجين.
لكن نسي الكاتب، أن كل ما نأكله في أسواق وسط وجنوب هو من تدبير الحرامية والذي يبيعونه لنا بأثمان باهظة جدا، حكام غزة لا ولم يوفروا شيئا من مال أبيهم، لتعزيز صمود الناس، ومنعهم من الثورة عليهم، هم فقط يجمعون منذ أسبوع ما يسرقونه الحرامية ثم يعيدون تدوير هذه البضائع في الأسواق وبأسعار خيالية، طبعا لم يذكر الكاتب أن الناس ليس معهم أي أموال للشراء، وهذا للتذكرة ليس مدعاة للفخر.
الكاتب الفطحل، لم يتطرق الى أن الاحتلال وغيره لا يريدون نزع الحكم من حماس، الجميع يريد تعزيز حكمهم، الا المواطن المتضرر الوحيد، والذي يتهم حركة حماس بالمتسبب الرئيسي في سرقة المساعدات، بدلا من أن تساهم في دعم صمود شعبها، عن طريق إيقاف عناصرها بلباس مدني، عند أقرب نقطة من معبر كرم أبو سالم، الذي تدخل منه المساعدات الدولية، لسرقتها وتوزيعها على عناصرها، أو بيعها بأسعار "خيالية"، أو حتى مقاسمة التجار الفجار -الذين يسرقون هم الاخرون البضائع- دون أي اكتراث لمعاناة الشعب الفلسطيني الذي تتغنى دائما بأن لها رصيد كبير في "الحاضنة الشعبية" بغزة.
وتصديقا للمثل الشعبي القائل "على عينك يا تاجر"، يسرق عناصر حماس المساعدات أمام أعين الشرطة التابعة للحركة الحاكمة قطاع غزة، دون أي تدخل فعلي من هؤلاء ممن يسمون أنفسهم بأنهم "عناصر أمن"، رغم أن عملهم يتطلب منهم أن يوقفوا أي سرقات من أي جهة كانت، حتى تصل هذه المساعدات لمستحقيها الذين ينامون في الخيام التي لا تقي من برد الشتاء ولا حرارة الصيف.
وبحسب ما كشفت مصادر مطلعة، فإن حماس تعاني من أزمة مالية خانقة جدا، بعد قصف الجيش الإسرائيلي للكثير من النقاط والأماكن السرية التي تحتوي على أموال طائلة تابعة للحركة، الأمر الذي دفعها الى اللجوء الى هذه الطريقة "السرقة" رغم حرمانيتها دينيا، لكن ذريعتهم هي "الضرورات تبيح المحظورات".
ان لجوء حماس الى هذه الطريقة غير الإنسانية، يؤكد أنها قد فقدت الكثير من مبادئها وميثاقها الذي كانت تتغنى بها، بالإضافة الى أوراقها الرابحة، وأنها باتت في أيامها الأخيرة، لأن لجوئها الى "شغل المافيات" يثبت أنها قد باتت تنازع.. فلتذهب الى الجحيم لتنتهي معاناة 2 مليون فلسطيني كانوا مغشوشين بالحركة عندما انتخبوها في الانتخابات التشريعية قبل 16 عاما..
والأدهى منذ ذلك كله، هو جواب عضو المكتب السياسي للحركة، خليل الحية، عندما سأله أحد الصحفيين عن تعليق حماس على ما يجري للشعب الفلسطيني من تهجير ونقص المواد الغذائية وقلة العيش، بتحميل وكالة تشغيل وغوث اللاجئين "الأونروا" المسؤولة عن ذلك بقوله بكل وقاحة "هذه مسؤولية الأونروا وليس حماس"، وكأن الأونروا هي من جلبت الحرب على القطاع الذي لم يكن مستعد لأي مواجهة أو حرب جديدة، بعد خمسة حروب تحملها على مضض خلال سنوات حكم حماس الحديدي للقطاع.
ان تعليق حماس وقيادتها على ما يجري في القطاع من تهجير وتجويع، يؤكد أنها لم تشعر بمعاناة شعبها الذي عانى وذاق الويلات من وراء "حرب اللاشيء"، التي لم ولن تجلب للقطاع أي ثمن أو انجاز بعد تدمير شمال القطاع ومدينة غزة وخانيونس والوسطى، حتى أنه تم تجميع 1.5 مليون نازح فلسطيني في منطقة ضيقة جدا تعرف بـ"المنطقة الإنسانية" غرب خانيونس حسب اعلان الأمم المتحدة مؤخرا.
اذا أنا كمواطن غزاوي، قدمت أكثر من 40 ألف شهيد ونصف مليون جريح وتدمير البلاد واعادتها الى العصر الحجري، وتدمير البنية التحتية والاقتصادية وهدم الآلاف من البيوت، وفي النهاية لا أجد الأمن من أبناء جلدتنا ولا الطعام والشراب من الحكومة المسؤولة عنا..بالتالي من أجل ماذا قدّم أهل غزة كل هذه التضحيات والتنازلات؟
في اليوم الثاني عشر بعد المئة الرابعة للحرب البشعة، وبعد نحو 44 الف شهيد، وأكثر من نصف مليون مصاب، مازال البحث عن الطعام والطحين، وماء للشرب، ومأوى للكرامة التي تبعثرت للكثير من الناس، فيما الثمن الأكثر فداحة، يدفعه الشعب الذي فقد الأمان والسلام في ارض السلام.
فلتنتهي هذه الحرب ومآسيها، فأينما تولي وجهك في غزة، تجد صور الألم والفقد والمعاناة، على وجوده الناس، مقابر جماعية أنشأت حديثا امتلأت سريعا بمئات جثامين الشهداء، ولا تكاد تجد مترا الا وبه شهيد أو مصاب يلملم جراحه الغائرة، وباتت رسالة جميع الغزيين لحماس "أوقفوا حرب اللاشيء ولترحلوا عن وجوهنا الى الأبد"..