التوجهات الخارجية للناخب والرئيس الأميركي ترمب

تابعنا على:   15:53 2024-11-25

نبيل فهمي

أمد/ الأشهر الأخيرة من عام 2024 ستكون مليئة بالأحداث المهمة والمؤثرة في أمن واستقرار ومستقبل الشرق الأوسط، وحاسمة في تحديد نبرة العام المقبل وتطوراته، وسط توجهات سياسة أميركية أكثر انعزالية وانكماشية.

هناك اجتهاد كبير من السياسيين والمحللين والإعلاميين لفهم نتيجة الانتخابات الأميركية وتقدير المواقف والسياسات الخارجية المقبلة بعد فوز دونالد ترمب بسباق الرئاسة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، ومن الطبيعي أن يحدث ذلك، نظراً إلى قوة أميركا سياسياً وعسكرياً وثرائها الاقتصادي والمادي وتأثر غالبية الدول بقراراتها إيجاباً وسلباً.

وسعياً إلى استيضاح بعض خصوصيات الانتخابات ومعرفة التوجهات السياسية المقبلة، تشاورت مع شخصيات لها دور فاعل ومؤثر في الخريطة السياسية الأميركية، واستفسرت منهم عن أسباب عدم اهتمام الناخبين بالتطورات الدولية عامة، والتنوع الواسع في خلفية المتقدمين للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي والجمهوري، ثم انتهاء غالبية هذه السباقات لمصلحة مرشحين تقليديين على يمين ويسار الوسط السياسي، وبين الحين والآخر حصول شخصية غير تقليدية على الترشيح والجائزة الكبرى وهي منصب الرئيس على غرار فوز الممثل السابق رونالد ريغان عام 1981 ودونالد ترمب عامي 2016 و2024.

وكان أفضل رد وصلني هو أن المنظومة الانتخابية مستقرة وناجحة، وإنما لها وضعية خاصة لأنها تخص دولة عظمى وإنما تحسم وفقاً لمنظور واعتبارات شخصية ومحلية، وليست معصومة من المفاجآت، أو حتى من الأخطاء أو ما يبدو غير منطقي.

الشرح المصاحب لذلك كان أن الساحة المجتمعية الوطنية واسعة إنما دائرة اهتمام الناخب محدودة للغاية، لذا هناك نتائج تبدو غريبة، من بينها فوز مرشح مدان قضائياً ومهدد بأحكام حيز النفاذ نتيجة لغضب عدد كبير من الناخبين الأميركيين من إغفال النخبة السياسية والاقتصادية لمصالحهم، مما خلق طبقة غاضبة متنوعة ومتنامية رجحت دونالد ترمب مرتين بالحصول على 312 مقعداً في المجمع الانتخابي، إضافة إلى غالبية مطلقة في التصويت المباشر، على غير المعتاد للحزب الجمهوري.

أميركا قارة شاسعة وفيرة في خياراتها وقاسية في تحدياتها، تختلف التوجهات المجتمعية بين ولاية وأخرى، ورؤية مواطني السواحل غير رؤية الوسط الأميركي، ولا علاقة لهم بالاهتمامات الدولية، إلا إذا أثرت فيهم مباشرة، بخاصة أن المجتمع يتبنى فلسفة المصلحة الشخصية كنمط حياة، لذا يصوت الناخبون وفقاً لرؤية محلية دون حتى المستوى الإقليمي، ولا علاقة لها بالأوضاع الدولية على رغم أنها دولة عظمى، ويحسم قرار الناخبين لمصلحة من يعتقدون بأنه يستجيب لاهتمامهم الشخصي الرئيس، وهو الاقتصاد في غالبية الأحيان، أو مخاوفهم المباشرة، أكان ذلك الحرب أحد دوافع فوز أوباما بعد غزوات جورج بوش الابن، أو القلق من المهاجرين غير الشرعيين على رأس قضايا ترمب.

وأكد لي كثيرون أنه من الطبيعي أن يفاجأ المجتمع الدولي بالنتيجة بين الحين والآخر لأن الأحزاب الأميركية الرئيسة نفسها أخطأت كثيراً في قراءة التحولات المجتمعية، على رغم أنها تتم بصورة متدرجة على مدى طويل.

وفي إطار التأمل والتشاور حول ما هو آتٍ، يجب التنويه إلى أن السياسات الخارجية الأميركية تشهد تحولاً نحو الانكماش والانعزالية التدريجية عبر عقدين من الزمن والابتعاد من دور ومسؤولية الدول العظمى والتركيز على المصلحة الوطنية فحسب.

لم يعُد الناخب الأميركي الآن مرحباً بتحمل بلاده مسؤوليات خارجية مكلفة، وهو موقف ترمب نفسه، وقطع وأصر بعض المحللين أن القضايا الخارجية كافة من دون استثناء ستتأثر بذلك، بما في ذلك أقرب الأصدقاء، وعند متابعتي للأسئلة مع بعضهم كان الرد أن كل شيء نسبة وتناسب، إنما يخطئ من يتصور أن سياسة دفاتر الشيكات المفتوح مالياً وسياسياً وعسكرياً ستظل مستمرة، أو أن الولايات المتحدة ستتابع عن قرب القضايا كافة لأن صبر الناخب الأميركي نفد ولم يعُد يهتم بالأمور الخارجية على غرار مرحلة الحرب الباردة.

قد يستغرب بعضهم هذه الآراء، على رغم أن هناك شواهد عدة منذ غزو العراق بأن أميركا ديمقراطية أو جمهورية كانت تسعى إلى الانسحاب من الحروب الممتدة، وآخر هذه الخطوات انسحاب بايدن من أفغانستان، ومع اختلاف مواقفهم تجاه إيران، لم يلجأ بايدن أو من قبله ترمب إلى استخدام القوة العسكرية ضدها، إلا في حالات استثنائية وكان ذلك عن بعد.

ويمكن إيجاز إطار الفلسفة الخارجية المتوقعة من ترمب في عناوين محدودة، أولها التزام سياسات خالية من الأيديولوجيا وتستهدف تحقيق عوائد مباشرة وقصيرة الأجل للولايات المتحدة ورصيده السياسي الشخصي، ثانيها أن يكون إطار العلاقات أقرب إلى ما يسمى "الاقتصاد الجغرافي" بدلاً من الجغرافيا السياسية على غرار من سبقوه، أي إن الأولوية في حساباته للعائد والأثر الاقتصادي، وثالثها عدم تحبيذ الاستخدام الواسع للقوة العسكرية الأميركية أو غيرها، باعتبار أن الحرب تحمل في طياتها مفاجآت غير منظورة وتُخلّ بحساباته العملية كرجل أعمال، ورابعها أن قراراته تستند إلى الواقعية والبراغماتية والغالب والمغلوب، غير مرتبطة على الإطلاق بالحق والباطل أو بالاعتبارات التاريخية.

وفي سياق هذه المبادئ، صدر تصريح سريع من أحد مستشاري ترمب عقب الانتخابات بأنهم سينقلون رسالة صريحة إلى أوكرانيا بأن الحل ليس في استعادة أراضٍ احتلت وإنما في الاتفاق على ترتيبات أمنية ملائمة، وبرز أيضاً أن غالبية انتقادات ترمب للصين تنصب أساساً على سياساتها الاقتصادية.

وسبق أن صرح ترمب بأن على نتنياهو اتخاذ الإجراءات لحسم الأمور من دون أن يوضح إذا كان المقصود استخدام مزيد من القوة أو وقف العمليات العسكرية على ما هي عليه، ونشرت أخبار أنه أبلغ نتنياهو بأنه لا يود أن يبدأ ولايته الجديدة في يناير (كانون الثاني) عام 2025 بهذه القضايا الساخنة، وهناك تسريبات عن اقتراب التوصل إلى وقف إطلاق للنار واستقراره في لبنان، مما يصعب تحقيقه مع إغفال "حزب الله" وارتباطه بإيران، وصرح نتنياهو بأنه تحدث مع ترمب أكثر من مرة بعد انتخابه وأن هناك تناغماً تاماً في المواقف، وفسر ذلك بأنه يرتبط بالخطر الإيراني.

الأشهر الأخيرة من عام 2024 ستكون مليئة بالأحداث المهمة والمؤثرة في أمن واستقرار ومستقبل الشرق الأوسط، وحاسمة في تحديد نبرة العام المقبل وتطوراته، في ظل توجهات سياسة أميركية أكثر انعزالية وانكماشية.

اخر الأخبار