جار القمر، محمد جبر الريفي
راغب شاهين
أمد/ غزة التي في خاطري، غزة التي لم تُسبَ يوماً في ناظري، هذا كان لسان حال أبا نزار الريفي مذْ ولد في أرضها العام 1946، الرجل والرفيق المعطاء الذي ارتحل قبل أيام في غزة التي يعشق، رحل هناك ليجاور النجمات، بعد أن سئم تصاريف الشتات
وزهد عن رغد العيش منذ نعومة أظافره، فاختار البندقية بوصلةً لدرب تحرير فلسطين، وقوَمَ بقلمه ما عجزت عنه سواعد رجالات زمانه،
الرفيق المناضل محمد جبر الريفي، أحد روافد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وركناً من أركان حركة القوميين العرب، ورائداً من رواد النهضة الأدبية الفلسطينية، كاتب الطين والتراب الفلسطيني،
وعبقري سياسة خلق التآلف والتسامح بين أبناء نسيج الوطن الواحد، هذا الذي حين كان يتعلق الأمر بفلسطين يغرد خارج سرب العائلة والقبيلة والعمل والزمان والمكان
ولا يؤول جهداً لنصرة الثورة الفلسطينية في كافة مراحل ومحطات الشتات التي ما فتأ الزمان يلقي به في أمصارها، الرفيق العزيز أبو نزار، ابن هذا التراب عند الحاجة له، ووالده إذا ما احتاج ذات التراب حنو الأب على ابنه،
كان الجميع يسعون إليه لمسامرته بين الفينة والأُخرى وينتظرون اليوم الذي يجمعهم به للبحث عن
الأمل بحرية ونصر قريب، كان قومي الهوى يرى في مصر وكافة الأمصار التي رفعت راية القومية بلاده وكان يردد دائماً بأن القضية الفلسطينية لم تكن في أي مرحلة من مراحلها فلسطينية بحته، فيبحث في أصول
وتاريخ امتدادها العرقي العربي العميق، ليجد في هذي البلاد الملاذ الآمن لكل الفلسطينيين في سعيهم الدؤوب نحو استعادة حقوقهم المشروعة،
الأديب والقاص محمد جبر الريفي لم يكن فرداً عادياً ولا حزباً ولا فكراً انعزالياً متقوقعا أو منكفأً على ذاته، كان صاحب فكرة وقد علمنا التاريخ بأن الفكرة لا تموت.
يُشهد له أن تواجد في كافة مواقع النضال، وشارك في كافة معارك الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها، حمل السلاح دفاعاً عن ثوابتنا في أحداث أيلول الأسود، وفي ليببيا كان نعم المعلم لشعبها الشقيق،
والصديق المنير لدروب أبناء شعبه فيها، واستمر هناك إلى أن ناداه تراب غزة النداء قبل الأخير، فعاد ترافقه عائلته الصغيرة إلى أرض الوطن مع إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية ليمارس مهامه
في جهاز التفويض السياسي بالمخابرات العامة حتى تقاعده، وما بين الشتاب والوطن وعشق الأرض وقهوته الصباحية أنجب لنا في الطريق العديد من الروايات ك سياسات وأفكار معاصرة، وفضاءات في مذاهب الأدب،
وأشياء غير منسية، ووجوه لا تفترق، وحضارة القمع التي جاء فيها على لسانه (أن الثقافة ليست مجرد معارف وتقاليد، بل هي سلاح يحدد مصير الشعوب، لذلك فإن حضارة القمع تسعى إلى طمس الهوية والذاكرة لتبقى الشعوب بلا جذور، بلا تاريخ)
وله العديد من الدراسات والأعمال الأدبية الأخرى.
لم يترجل الفارس بل جاور القمر، في نداء تراب غزة الثاني، استشهد هناك في غزته التي يهوى في السادس والعشرين من أكتوبر الجاري، حيث رفض فكرة النزوح عنها رغم تفرق شمله عن عائلته وذويه،
ظلَ أبو نزار صامداً صابراً مرابطاً بل ويشدُ من أزر بنيه وبناته بأن وعد الله الحق قادم لا محالة إلى إن انتقل إلى جوار الرفيق الأعلى.
في جنان الخلد رفيق نضالنا، فبمثلك يفخر الوطن.