لن تطول فرحة الشامتين
صالح عوض
أمد/ ضربة في الصميم أصابت المقاومة اللبنانية وزلزلت قلوب أنصارها واندلقت قلوب الشانئين على ألسنتهم حقدا وتشفيا ومحاسبات وانتقاما.. في يوم من أقسى أيام الاشتباك مع العدو تتعرض مكونات المجتمعات العربية والنخب السياسية والايديولوجية الى فرز خطير تظهر فيه النوايا كما ينحاز الضعف الى الانهيار المعنوي في واحدة تشبه سقوط السقوف.. أما مشجعي فرق الصراع فيعلو صتهم أو يخفت حسب ضربات الكرة.. وحدهم من يعضون على الوجع وينتظرون بصبر فارغ لحظات الاشتباك واستعادة المبادرة ترتفع قلوبهم الى مستوى أمال المستضعفين والمنكوبين وتدير عقولهم بهدوء معركة لن تكون الا الفاصلة.. ما الذي حصل وكيف حصل والى اين تتجه الامور بالمقاومة والصراع؟
لمائا حصل ما حصل؟:
أن يتم اصابة أكثر من ألف عضو في حزب الله باصابات في لحظة واحدة اثر انفجار اجهزة الارسال وثم عن طريق اجهزة اللاسلكي فذلك يعني بوضوح أن هناك استرخاء وتهاون وأن الانتباه لم يكن في المستوى.. وأن يقتل قادة كبار في اجتماعات تضم صفوة القيادة والصف الاول وفي مقدمتهم الامين العام فان ذلك لايعني فقط ان هناك اختراقات ولكنه يعني في الاساس التهاون الناتج عن فكرة قاتلة.
الفكرة القاتلة التي تلبست بعقل قيادة المقاومة أنها استطاعت صناعة واقع الردع وأن العدو لن يفكر بخطوات تتجاوز الخط الأحمر.. فلقد تسرب الى عقل قيادة المقاومة أن انتصارها المذهل في تموز 2006 كان كافيا بأن يقنع العدو أن لايعود الى كسر الحواجز.. هذه فكرة قاتلة تمكنت من قيادة المقاومة في الحين الذي واصل العدو منذ تلك اللحظات القاسية عليه في تموز 2006 الى الاعداد وبذل الجهد كله من أجل انهاء المقاومة اللبنانية وتمزيقها وذلك لأسباب موضعية وأسباب استراتيجية.. فعلى الصعيد الموضعي فلا بد للكيان الصهيوني أن يتخلص من عدو مجاور يستنزفه ويصيب هيبته العسكرية والامنية لاضرار قد تتطور، وعلى الصعيد الاستراتيجي فان العدو يرى في المقاومة اللبنانية بعدا آخر وهو كونها في تحالف عضوي مع ايران الأمر الذي يعني أنها قوة اضافية لايران في معالجة ملفاتها المختلفة لاسيما الملف النووي والتموقع الاقليمي.. لهذين السببين انطلقت الأجهزة الصهيونية المتنوعة لاسقاط المقاومة اللبنانية في بحر من الدماء.
انشغل حزب الله في الأزمة السورية فكان ذلك بمثابة اعطاء فرصة اضافية للأجهزة الامنية الصهيونية، وكان الحزب كمن يبلع السكين فهو يرى ويسمع ويدرك ان النظام المستهدف في سورية ليس لديكتاتوريته وحكمه التوارثي وحجم المظالم والتجاوزات فيه انما موقفه من المقاومة سنة 2006 وان الرايات المرفوعة لذلك لم تكن الا رايات صنعت باتقان في مختبرات الامن الامريكية والصهيونية وليس خافيا على أحد ما قدمته دول الخليج وتركيا باشارات واضحة من امريكا والدول الغربية كما صرح بذلك أكثر من مسؤول غربي وعربي لاسيما اعترافات جاسم بن حمد وخطته لاسقاط النظام بواسطة المجموعات المسلحة وبالتعاون مع دول الخليج وتركيا.. وهنا لايمكن لمقاومة ضد الاحتلال ان تقف صامتة مكتفة الايادي وهي ترى ان عمقها الاستراتيجي الجغرافي يتعرض لحملة صليبية لتعصف به وتأتي بكل المولدين في المختبرات الامنية ليمزقوا سورية ويحيلوها الى ركام تتمزقها المصالح الاقليمية والدولية مهيأة لتمدد الكيان الصهيوني الذي لم يتأخر في فتح مستشفيات لجرحى الجماعات المسلحة وكان مطار بن غوريون محطا لبعض قيادات المجموعات المسلحة.
كانت الحرب القذرة المفروضة.. في انخراط المقاومة اللبنانية في الدفاع عن وحدة سورية وحماية الدولة من السقوط اختلطت النوايا بالوقائع في حمى الدم المهرق والدمار الرهيب الذي اصاب الشعب السوري المظلوم حيث لم ترحم الطائرات الروسية في تجريب كل صواريخها وقاذفاتها مدن السوريين وقراهم.. وتعقدت الامور اكثر عندما تدافعت الى المواجهات ايران بكل ثقلها المالي والسياسي والأمني على اعتبار ان الدولة السورية هي الرئة العربية الوحيدة التي كانت لايران في ظل حصار خانق عليها.. تدافعت مجموعات شيعية افغانية وسوى ذلك لمعركة لم تظل بسماتها الاولى والجوهرية بل اصبحت تتلون بالوان طائفية افقدها قدسيتها.. لقد كان الشعب السوري المظلوم هو الضحية الكبيرة في هذا التطاحن الجنوني ومن هنا كان المأزق الاخلاقي امام المقاومة الذي لم تجد دونه سبيلا.. فلطالما صرحت المجموعات المسلحة ومن خلفها امريكا والكيان الصهيوني ان الحلقة القادمة ستكون اجتياح الضاحية وانهاء المقاومة.
الطوفان الذي انقذ الحزب:
لقد كان الطوفان الفلسطيني فرصة تاريخية للحزب كي يتخلص من مرحلة اجبر عليها ولم تكن في حسبانه.. اشترك الحزب منذ اليوم الثاني في الطوفان واستعاد انفاسه ولياقته واستعاد خطابه وروحه التي كادت أزمة سورية ان تطحنها.. ومنذ اليوم الثاني دخل الحزب في حرب استنزاف للعدو كلفت الحزب مئات الشهداء وكلفت العدو تهجير مستوطني شمال فلسطين واستدراج فرق عسكرية بعيدا عن غزة..
كان انطلاق الطوفان مفاجئا للقيادة السياسية الصهيونية رغم كل توصيات الأمن وتحذيراته.. فلقد ظن قادة اسرائيل أن غزة قد ردعت تماما بعد عدوان 2014 وقد أغراهم ان حماس انخرطت في عمليات اجتماعية ادارية وانها لم تشارك في الرد على عمليات عسكرية استهدفت حركة الجهاد وان قيادات حماس واصلت الخداع الاستراتيجي باصرارها على المساعدة القطرية الشهرية وعلى فتح مكاتب التسجيل للعمال نحو العمل في المنشآت الصهيونية.. وهنا كانت الفكرة القاتلة للقادة الصهاينة حيث كان يوم 7 أكتوبر يوم الانهيار النفسي والمعنوي والعسكري.. وكان كذلك فاتحة فعل كبير لم يتخيله أحد ومن هنا يمكن تفسير حجم الجنون والشر والجريمة التي ترتكبها اسرائيل كلها ضد الشعب الفلسطيني عامة وأهل غزة خاصة.
انصرفت القيادة الصهيونية لتصفية المقاومة في غزة واستعادة الأسرى الصهاينة ووضعت لذلك أجالا ولذلك لم تكن في عجلة من امرها للانصراف نحو جبهة الشمال.. الا ان الحرب طالت ولم يتحقق أي هدف من اهداف العدوان واصبحت الجبهة الشمالية مكلفة ليس فقط بتهجير مئات الاف المستوطنين وما يمثله ذلك مع الفارين من غلاف غزة من ضغط على مناطق الوسط اجتماعيا وأمنيا واقتصاديا.. انما ايضا لأنها اصبحت جبهة مشاغلة حقيقية وأصبح واضحا أن الحزب أصبح يستعيد افكاره الاولى وان الانخراط في الشأن الفلسطيني عاد من جديد الى بريقه.. هنا أصبح الحزب بالكلية في خندق المواجهة صد الكيان الصهيونية.
لم يكن الاختراق فقط على صعيد الوضع الأمني وهذا خطير في حد ذاته ولكن الأختراق الأخطر كان على صعيد الوعي حيث كان الحزب على قناعة بأن الكيان الصهيوني أصبح مردوعا ولايمكن ان يتجاوز الخط الاحمر.. هذا هو الاختراق الاخطر ولقد دفع الحزب ثمن ذلك غاليا..
لذلك ليس المطلوب الان فقط ان يرممم حزب الله أوضاعه التنظيمية فهذا امر ليس صعبا ولعل الحزب قد تجاوز هذه الأزمة القاسية ولكن الأهم ان يرمم أفكاره وأن يستعيد تماما جملته في أن الكيان الصهيوني عدو في كل الأوقات وكل الأحوال وأنه لن يتوقف عن التخطيط لتدمير المقاومة وأنه بمجرد وجوده انما هو خطر على المقاومة.. هذه الفكرة التي ضعفت فيما سبق يستعيد الحزب الان صياغتها باكثر وضوحا.
الى أين المسار والمسيرة:
لم تتوقع الادارة الامريكية والصهيونية أن يصحو الحزب من الصدمة سريعا ولهذا تواصل القصف والضرب العنيف من قبل اجهزة القتال الصهيونية لكي لا تترك فرصة للحزب لتجاوز وضعه الصعب.. ولم يكن في تخيل القادة الصهاينة الا الوصول الى مشارف بيروت والدخول الى سورية على مشارف دمشق والقضاء على قواعد المقاومة في لبنان وجنوب سورية.. والضربات المتوالية لاهداف في سورية هي بمثابة مقدمات للاجتياح والوصول الى مناطق تكون فاصلة مستقبلية محققة الامن والامان للكيان الصهيوني.. ولعل ذلك على حسب التخيل الصهيوني قد يجر ايران وهي ترى انهيار الحزب الى التدخل الامر الذي يعني توفر فرصة تاريخية للقيادة الصهيونية باشراك القوات الامريكية في توجيه ضربات قاسية وصعبة ضد ايران في منشآتها الحيوية والاستراتيجية..
الا ان المقاومة اللبنانية منذ يومين أظهرت قدرة واضحة على تجاوز أزمة غياب القيادة الأولى والمركزية ومن الواضح أن الحزب استعاد وضعه التنظيمي والاداري وانه امتص الصدمة.. وفي اليوم الذي اعلن فيه الجيش الصهيوني هجومه البري بطلائع من قوى اجنبية حليفة في ظل حملة اعلامية نفسية عالية الوتيرة وبغطاء امريكي سياسي واسع.. في هذا اليوم أخذت المقاومة زمام المبادرة وشنت ضربات معتبرة معنويا وسياسيا وعسكريا ضد أهداف منتقاة في العمق الصهيوني..
المقاومة اللبنانية ستدخل المواجهات المحتدمة البرية وستوجه بصواريخها الى نقاط متقدمة في الوسط من الكيان وفي شتى انحائه.. وهذا هو الذي سينقذ سورية بل ولبنان والمنطقة العربية.. وهو الرد المنطقي الطبيعي على المشروع الذي طرحه نتنياهو منذ يومين انه بصدد تشكيل شرق أوسط جديد بنمط جديد وتحالفات جديدة..
كلمة أخيرة:
الحزب هو العرب في التصدي للنظام الدولي المجرم وان الحزب يملي على الجميع التحدي الاخلاقي بان يصطفوا معه وخلفه في مواجهة عدوان مجرم.. اما الشامتون فلم تطل فرحتهم فيما تتجرع قيادات الكيان الصهيوني غصص المفاجآت والانكسارات والهزائم.. انه زمن المراغمة ونصر روح الامة والله غالب على أمره