بدء الانحسار الإيراني في الشرق الأوسط
حميد قرمان
أمد/ استطاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجيير حرب الإبادة في قطاع غزة وتحويل مسارها بالاندفاع نحو استثمار جبهات الحرب بوتيرة تصعيد أوسع وأعمق في إستراتيجيته لتحقيق عنوان كبير؛ إنهاء التأثير والنفوذ الإيراني على الميليشيات والحركات العسكرية التي تدور في فلك نظام الملالي في منطقة الشرق الأوسط.
ضربات إسرائيل التي طالت عناصر المحور الإيراني وأذرعه لم تأت فقط لضبط إيقاعها التنظيمي والعسكري، وتحديد سقف قدراتها التسليحية، بل سيذهب بنيامين نتنياهو إلى ضرب المشروع النووي الإيراني بعد أن يُنهي ما بدأه بتجريد إيران من أوراقها في المنطقة.
الأوساط السياسية والعسكرية في طهران مازالت تعيش صدمة ما حدث مؤخراً، بين الجرأة العسكرية الإسرائيلية المندفعة والمغلفة بمعلومات استخباراتية دقيقة، وبين الفجوة التكنولوجية الهائلة، أدى كل ذلك إلى الانهيار السريع لإمكانيات وتكتيكات ميليشياتها، والتي أنتجت الأداء الصفري من محور عاجز على امتصاص الصدمة وعكسها بضربات صاروخية نحو العمق الإسرائيلي كما كان يصرح قادته ليلاً ونهاراً.
الخوف الإيراني من الانجرار نحو حرب إقليمية شاملة لن يمنع بنيامين نتنياهو وحكومته من الاستمرار في مخططاتهم التي تتواءم مع رغبة الولايات المتحدة ودول أوروبية، ترى جدوى ونجاح التصعيد العسكري الإسرائيلي فرصة مواتية لكبح جماح طهران وأذرعها كمصلحة أساسية للحد من تسرب روسي وصيني بدأ يكبر في أرجاء المنطقة.
القطاعات داخل نظام الملالي المتحكمة بقرار طهران؛ المرشد والحرس الثوري، تدرك اليوم أن هامش المناورة مع الأميركيين والأوروبيين لن يمنحها الوصول إلى أجنداتها في المنطقة دون البحث عن مقاربة جديدة بعيداً عن الزج بأدواتها المتبقية في حرب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. وهذا ما سيجعلها تبدأ بالانسحاب من مشهد الشرق الأوسط بتجميد مؤقت لأنشطة محورها، وانحسار دورها كراع لحركات وميليشيات مسلحة لإعادة إنتاج توثيق تحالفات مع حركات إسلامية (الإخوان المسلمين)، والدفع بها إلى المشهد السياسي لبعض الدول من خلال إثارة موجات فوضى تتيح لها قدراً من التفاوض مع إدارة أميركية سترث حرباً مازالت تداعيات نيرانها تتوسع.
تموضع إيران وانكفاؤها على نفسها يخدمان استمرار نظامها القائم على ملالية الدين والسياسة، في ظل ظروف اقتصادية صعبة، خاصة وأن تكلفة إعادة إنتاج ذات الأدوات وتسليحها ستثقل كاهل الاقتصاد الإيراني المنهك. لذلك سيجد رجالات نظام الملالي أنفسهم أمام معضلة حقيقية تتطلب البحث عن خيارات تبدأ بالانحسار والعودة خطوات إلى الوراء، فالشعب الإيراني لن يمنحهم شرعية سياسية لإعادة الدخول في مغامرات غير محسوبة النتائج أو لنسج إستراتيجيات مهلهلة أمام رياح الولايات المتحدة وإسرائيل القوية.