كيف نشر الاحتلال " مرض الجرب " بين الاسرى الفلسطينيين ؟
مهدي مبارك عبد الله
أمد/ على نحو عاجل انتشر مؤخرا وبشكل كبير مرض الجرب “ سكابيوس ” بين صفوف الأسرى الفلسطينيين في كافة سجون الاحتلال الإسرائيلي إلى جانب إصابة بعض الأسرى بأمراض جلدية أخرى لم يتمكنوا من معرفة طبيعتها ومن الاسباب الاساسية لتفشي هذا المرض إلى جانب عمليات التّعذيب جملة الاجراءات التعسفية والعقابية التي فرضتها ادارة السجون على الاسرى منذ انتقاما لعملية طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر العام الماضي والتي شملت أبسط الحقوق الطبيعية لأي انسان من ضمنها منع الاستحمام وقطع المياه ومصادرة كافة مستلزمات النظافة الشخصية من صابون وشامبو ومعجون أسنان وعدم السماح للأسرى بالحلاقة وقص الشعر
الى جانب حرمانهم من اقتناء ملابس وغيارات داخلية باستثناء التي يرتدونها حيث يضطر الأسير الى غسلها وانتظار أن تجف او ارتداءها و هي مبتلة عدا عن حالة الاكتظاظ الكبيرة داخل الأقسام مع تصاعد حملات الاعتقال اليومية وعزل الأسرى في زنازين ينعدم فيها ضوء الشمس والتعمد بنقل المصابين بأمراض معدية من قسم إلى قسم وهو ما أسهم بشكل كبير في انتشار الأمراض وتصاعد أعداد المصابين بين الاسرى سيما وان بين المصابين أطفال أسرى تحديدا في في سجن مجدو سيئ الذكر
الوضع الصحي والانساني داخل غرف الاعتقال في السجون الاسرائيلية مزري للغاية حيث لا يوجد تهوية مناسبة والحشرات منتشرة في كل مكان بسبب قلة النظافة نظرا لحرمان الأسرى من مواد التنظيف بكافة أشكالها علاوة على كل ما سبق فأن أجساد الأسرى ايضا لا تتعرض للشمس و الهواء بسبب الحرمان من الفورة أو تقليصها لفترة زمنية قصيرة جدا كل هذه العوامل أدت الى انتشار مرض الجرب الذي تسببه ( سوسة الجرب ) وهي حشرة صغيرة تحفر في الجلد وتضع بيضها فيه وعند إصابة شخص ما بمرض الجرب ينبغي معالجته بسرعة هو وجميع الأشخاص الذين يعيشون معه منعًا لانتقال الطفيليات المسببة للمرض من شخص إلى آخر
الجرب يعتبر من أخطر الأمراض الجلدية المعدية التي تتميز بظهور حكة شديدة في الجلد تزداد حدتها في ساعات الليل وقد تؤدي إلى تشقق الجلد وظهور طفح جلدي ويمكن أن يؤدي إلى تقرحات جلدية ومضاعفات خطيرة مثل تسمم مجرى الدم وأمراض القلب ومشاكل في الكلى تسببه مجموعة من طفيليات العت ويجب علاجه فورا بوصفات طبية تعتمد على الأقراص وكريمات الجلد والحبوب الفموية حيث ينتشر بسرعة من خلال المخالطة اللصيقة مع شخص مصاب بالمرض وتتكون بثور صغيرة أو نتوءات على الجلد وقد ينتشر مرض الجرب أيضًا جراء استعمال الأدوات الشخصية مثل المنشفة أو الملابس و غطاء السرير لشخص مصاب
ضمن سياسات التّعذيب والتّنكيل الاسرائيلية المتصاعدة بحقّ الأسرى الفلسطينيين والتي تشكل أحد أوجه حرب الإبادة المستمرة بهدف زيادة معاناة الاسرى ابلغت إدارة سجون الاحتلال في معتقلات ( النقب ومجدو ونفحة وريمون ) المحامين الذين ينظمون زيارات متكررة للأسرى أنه جرى إلغاء الزيارات المقررة دون تحديد مدة زمنية بادعاء فرض حجر صحي على كافة أقسام الأسرى نتيجة لانتشار مرض الجرب بين الأسرى بشكل كبير
بالاطلاع على عشرات التقارير والإفادات التي نقلها محامون من المعتقلين داخل السجون الاسرائيلية إضافة إلى شهادات الأسرى المفرج عنهم والتي تبين ان مرض الجرب تفشى منذ شهور قليلة بشكل كبير في عدة سجون مركزية بعدما حولت إدارة السجون المرض إلى أداة تعذيب وتنكيل من خلال التعمد بتنفيذ جرائم طبية بحق الاسرى بحرمانهم من العلاج وعدم اتخاذ سلطة السجون أي من الإجراءات اللازمة لمنع تفشي المرض كما نقل بعض المحامين واقع العديد من المعتقلين الذين خرجوا للزيارة في بعض الأحيان بعد مرور فترة على إصابتهم حيث بدت أجسادهم مشوهة من المرض والدماء والتقرحات على أجسادهم من آثار الحكة الشديدة
إدارة السجون الاسرائيلية تتحمل المسؤولية الكاملة عن حياة ومصير المعتقلين خاصة وأن السجون التي تفشى فيها مرض الجرب يقبع فيها العشرات من الأسرى المرضى اصلا ومنهم من يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة وضعف في جهاز المناعة وقد تفشت الأمراض وتفاقمت بسبب سياسة التجويع وقلة الطعام والشراب واقتصاره على نوع واحد واكتظاظ الأسرى واحتجاز حيث يوضع 20 أسيرا في الغرفة التي تتسع لـ8 فقط اضافة الى انعدام المنظفات وأدواتها وقلة الاستحمام ( دقيقة واحدة لاستحمام الأسير ) وتبادلهم ملابسهم وأدواتهم فيما بينهم وعدم تقديم العلاج اللازم لهم
ما يتعرض له الأسرى مسلسل نازي مرعب وكارثي ولم يعد الامر مجرد سياسة إهمال طبي كما كان في السابق بل اصبح حرمان كلي من العلاج وتعمد التسبب نشر الأمراض لدى الأسرى الأصحاء كما لم يعد الحال يقتصر على سجن واحد أو مرض بعينه بل استشرت الأمراض الجلدية وأمراض الجهاز الهضمي والكلى والأسنان بشكل واضح عدا عن إصابات الأسرى اثناء اعتقالهم بعدة جروح وكسور أو بفعل اساليب التعذيب القاصي في سجون ريمون ونفحة والنقب ومجدو وعوفر وغيرها
اللافت مؤخرا في هذا الشأن ان عدة أسرى اجروا عمليات قسطرة للقلب بفعل الضغوط النفسية التي مروا بها في السجون ولا تزال إدارة الاحتلال حتى اليوم تفرض معيقات كبيرة على متابعة حالات الاسرى المرضية رغم ان معظمهم ودون مبالغة أصبحوا مرضى يحتاجون للعلاج وكثيرون منهم تلاحقهم الأمراض والمشاكل الصحية والجسدية والنفسية بعد تحررهم وقد كان الاسير فاروق الخطيب خير مثال كضحية للجرائم الطبية المتكررة
حديثنا هنا يتعلق بأسرى الضفة الغربية والقدس فقط أما أسرى غزة فما يتعرضون له أسواء حيث يُجري لهم الاحتلال عمليات جراحية وبترا للأطراف دون تخدير وفي معسكرات الجيش ودون استعمال الأدوات الطبية اللازمة ومن الجدير ذكره أن سجني ( النقب ومجدو ) هما من أكبر من السجون التي يقبع فيها آلاف الأسرى وقد بلغ عددهم حتى بداية ايار عام 2024 أكثر من 9300 وهذه الاحصائية لا تشمل المعتقلين من غزة والذين تقدر أعدادهم بالآلاف رجال ونساء واطفال
سياسة الاحتلال الاجرامية جعلت الوضع الصحي للأسرى يتدهور بشكل منظم إلى جانب ممارسات التعذيب والتنكيل والسلب والحرمان من النوم والتجويع والتي تضاعفت في الشهور الاخيرة بعدما حولت ادارة السجون كل التفصيل المتعلقة بحياة الأسرى إلى أدوات للتعذيب والتنكيل وجعلت حاجة الأسير إلى العلاج مسيرة اذلال ومهانة لحرمانه من حقه في العلاج ففي الوقت الذي كان الأسير يواجه مماطلة كبيرة في الحصول على الحد الأدنى من العلاج غدى اليوم يواجه جرائم طبية أشد وأكبر مقارنة مع المراحل التي سبقت حرب الإبادة المستمرة
فضلا عن عمليات الضرب المبرح والتوحش الفاشي التاريخي والممنهج والثابت الذي تمارسه منظومة السجن بهدف قتل الأسرى والتسبب لهم بأمراض مزمنة يصعب علاجها لاحقا والذي إلى تفاقم الظروف الصحية للأسرى المرضى والتسبب بأمراض جديدة للمعتقلين والأسرى الأصحاء وهو ما فرض صعوبة كبيرة على عمل المؤسسات المحلية والدولية المختصة في حصر اعداد الحالات المرضية المختلفة داخل السجون الاسرائيلية
بشكل عام الأسرى الفلسطينيون يعيشون في سجون الاحتلال معاناة تزداد يومًا بعد يوم حيث تتفاقم الأمراض بينهم نتيجة الإهمال الطبي المتعمد من قبل قوات الاحتلال والوضع القائم المأساوي في السجون والمعتقلات الاسرائيلية يستدعي من كافة المؤسسات الحقوقية الدولية وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة بتحمل مسؤوليتها اللازمة وتجاوز الدور البروتوكولي المحدود الذي تقوم به في مواجهتنا لجرام وارهاب الاحتلال ويجب ان لا تكتف برصد ومتابعة الشهادات وإصدار التقارير والمواقف بل الضغط العاجل على ادارة السجون لوقف التصعيد الممنهج الهادف الى قتل الاسرى ببطء وضرورة تدخل الصليب الاحمر وكافة المؤسسات الانسانية المحلية والاقليمية والدولية لحماية الاسرى ومنع الجرائم الطبية والتعمد في اهمال علاجهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم الانسانية على كافة الأصعدة