اطلبوا الديمقراطية ولو في البرازيل

تابعنا على:   11:36 2022-11-17

منجد صالح

أمد/ اعتلى الرئيس البرازيلي الذي فاز فوزا ساحقا في الانتخابات الرئاسيّة الاخيرة، اغناسيو لولا داسيلفا، اعتلى منصّة الخطابة لالقاء خطابه الأوّل، خطاب الفوز والنصر، وهو يحمل في يدة حذاء!!!!

استغربت الجماهير المحتشدة لسماع خطاب الرئيس المُنتخب، لكن الرئيس "لولا" ما لبث أن بدأ خطابه قائلا، وهو يهزّ الحذاء بيده:

 "وصلني اليوم هذا الحذاء هديّة من عُمدة مدينة "فراتكو"، وأعرف أنّه يُريد أن يُذكّرني أنني ربما مسحت له يوما حذاءه أو حذاء والده عندما كنت أعمل ماسح أحذية وأنا طفل فقير. وهذا شرف عظيم لبلدنا أن يُصبح ماسح الأحذية رئيسا للدولة، وذلك خيرٌ من أن يُصبح رئيس الدولة لصّا ينهب أموال شعبه".

بدأت "الحكاية"، حكاية الانتخابات البرازيليّة، عشية يوم 2 تشرين أوّل (اكتوبر) الماضي عندما بعث لي سفير البرازيل في رام الله الصديق اليسّاندرو كاندياس، دعوة على الواتس آب يقول لي فيها:

عزيزي سعادة السفير، يوم الاحد القادم 2 اكتوبر سيكون لدينا انتخابات في البرازيل. البرازيليّون في الخارج سيصوّتون أيضا، بما في ذلك في فلسطين (لدينا 1300 ناخب هنا). أرحّب بك أن تزورنا هذا اليوم للاطلاع على ومواكبة التصويت الالكتروني في "سفارتنا" في رام الله. أرجو أن تعلمني برغبتك بالزيارة، اهلا وسهلا، تحيّاتي".

فاجبته برسالة نصيّة:

" شكرا لك عزيزي السفير، تهانيّ بمناسبة انتخاباتكم، انّه لمن دواعي سروري أن اكون معكم في هذا اليوم المُحدّد" المُنتظر.

في العمارة الباسقة في حي المصيون الراقي،وفي المصعد المُسافرصعودا إلى السفارة البرازيليّة كان روّاده المليئ بهم  يتحدثون بالعربية وبالبرتغالية. في البرازيل بتحدّثون اللغة البرتغالية بحكم أنّها كانت مستعمرة برتغالية، وهي الدولة الوحيدة ضمن دول امريكا اللاتينية التي تتحدّث البرتغاليّة، بخلاف الدول اللاتينيّة الاخرى الناطقة بالاسبانية ، حيث كانت مستعمرات اسبانية.

واكبت أنا والسفير البرازيلي اليساندرو عملية تصويت البرازيليين من اصل فلسطيني الذين وصلوا منذ الساعة التاسعة صباحا إلى مقر السفارة لممارسة حقّهم في انتخاب رئيس بلادهم الجديد.

كانت المنافسة مُحتدمة بين الرئيس الحالي، اليميني بولسنارو، صديق نتنياهو وبين زعيم المعارضة الرئيس الذي فاز لولا داسيلفا صديق الشعب الفلسطيني.

في اليوم التالي اطلعني السفيرالصديق على نتائج الانتخابات في السفارة حيث صوّت معظم البرازيليين الفلسطينيين لصالح المُرشّح لولا دا سيلفا، الذي فاز باغلبية ساحقة في الجولة الثانية التي جرت بعد شهرين من الجولة الاولى.

وهكذا انتصرت الديمقراطية في البرازيل ووصل إلى سدة الحكم رئيسا للدولة وللمرّة الثانية ماسح الاحذية، الطفل الفقير، الذي اصبح زعيما وطنيا يقود حزب العمال البرازيلي على مدى سنوات.

في التسعينيات من القرن الماضي وكزعيم لحزب العمال البرازيلي زار لولا داسيلفا القائد ياسر عرفات في تونس، وقد تشرّفت بوجودي معهما وحضور اللقاءات والاجتماعات.

لولا داسيلفا شخصية "كرازميّة" ياسرك ببساطته وتواضعه وعواطفه الجيّاشة.

في أواخر فترة رئاسته الاولى تكالب عليه اليمين البرازلي الجشع فأفسح المجال لخلفه التقدّمية الرئيسة ديلما روسيف، لكن نفس اليمين وربما بدعم من اسرائيل والولايات المتحدة تكالبوا عليها مجدّدا واسقطوها بتهم فساد باطلة، كما اتهموا لولا داسيلفا بذات التهم الباطلة وأدخلوه السجن مداهنة ومؤامرة.

الآن يتربّع لولا على كرسي الرئاسة للمرّة الثانية، وقد وعد بتقديم كل الدعم والمساعدة للطبقات الفقيرة في البرازيل حيث ينوف عدد سكانها على 215 مليون نسمة.

جدير بالذكر في هذا المقال والمقال والصدد أن زوجة الرئيس المهزوم بولسينارو ذهبت إلى مركز الاقتراع يوم التصويت وهي تلبس "تيشيرت"مرسوم عليه علم اسرائيل بنجمة داوودالسداسيّة باللون الازرق، بينما تمنطق الرئيس لولا في صور فوزه بالكوفيّة الفلسطينية، كوفيّة صديقه ياسر عرفات، رمز الشعب الفلسطيني وقضيّته العادلة.

في احدى الزيارات للبرازيل في فترة الرئيس لولا الاولى، كانت زيارة وفد من وزارة الخارجية الفلسطينيّة، التقى فيها الوفد الزائر مع الرئيس لولا داسيلفا في القصر الجمهوري في العاصمة برازيليا. كان إلى جانب الرئيس لولا حينذاك وزير خارجيّته سيلسيو أموريم، وزير مُحنّك وديناميكي.

للعلم أن نظام الحكم في البرازيل يُعطي وزارة الخارجية الحقّ في حضور اجتماعات الرئيس مع الوفود الاجنبية، ربما هي صيغة متقدّمة من الديمقراطية البرازيليّة.

كان سيلسيو أموريم خلال الاجتماع يقاطع الرئيس لولا في حديثه ويحاول أن "يُفرمل اندفاعه" في تلبية كافة طروحات وطلبات الوفد الفلسطيني. وفي لحظة ما شعر الرئيس لولا بالضيق من مقاطعات وزير خارجيّته وتدخّلاته المُتكرّرة. رفع يديه وقال له:

"سيلسيو لا اريد ان اتحدّث كرئيس للجمهورية ولكن كصديق للشعب الفلسطينيني. أنا موافق على كافة طلباتهم".

اطلبوا الديمقراطية ولو في البرازيل..

اخر الأخبار