الأسرى الفلسطينيون والقانون الدولي

تابعنا على:   12:24 2022-08-30

د جهاد الحرازين

أمد/ منذ بداية الإحتلال الإسرائيلي الغاشم للأرض الفلسطينية، عملت سلطات الإحتلال على إتخاذ مجموعة من الإجراءات التعسفية والقمعية، وذلك من أجل القضاء على أيَّة محاولاتٍ لمواجهة ومقاومة هذا الإحتلال الذي إحتل الأرض الفلسطينية، بعد مسيرةٍ حافلة وطويلة ومستمرة من الجرائم وعمليات القتل والمجازر، التي إرتُكِبت بحق الشعب الفلسطيني، في تحدٍ صارخ لكافة الأعراف والمواثيق والإتفاقيات الدولية، وضربت دولة الاحتلال بعرض الحائط كافة قرارات الشرعية الدولية، متنكرةً لحقوق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي قوبل بحالةٍ من المقاومة الفلسطينية، وذلك دفاعاً عن الأرض والشعب الذي تم الإعتداء عليه وسلب أرضه، مما دفع سلطات الإحتلال لفتح السجون وإعتقال الألاف من الفلسطينيين، في محاولةٍ منها لإفراغهم من محتواهم النضالي وجعلهم يتقبلوا هذا الإحتلال ولكن تحولت تلك السجون والمعتقلات إلى أكاديميات ثورية تُخَرّج الأبطال الذين تصدوا له في كل مرحلةٍ من مراحل حياتهم، رافضين لهذا الإحتلال واستمراريته، وذلك إيماناً بحقهم بالحرية والعيش بكرامة كبقية شعوب الأرض، ولذلك سنحاول من خلال هذا المقال مناقشة عدة قضايا تتعلق بحق المقاومة، وواقع الأسرى الفلسطينيين وفقاً للقانون الدولي والإتفاقيات والمواثيق والعهود الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، والخطوات الواجب إتخاذها والعمل عليها لتفعيل قضية الأسرى أمام الهيئات والمؤسسات الدولية والحقوقية والرأي العام الدولي بإعتبار قضيتهم قضية عادلة.
أولاً: حق المقاومة الفلسطينية وفقاً للقانون الدولي وما يترتب عليه من إعتقال للمناضلين.
أكدت بعض الإتفاقيات والمواثيق الدولية على حق المقاومة المشروع للشعوب في مواجهة الإحتلال أو الإستعمار لنيل حريتها ومن هذه الإتفاقيات "إتفاقية لاهاي لعام 1907"، والتي نصت في المادة الثانية منها "سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو, لمقاومة القوات الغازية، دون أن يتوفر لهم الوقت لتشكيل وحدات مسلحة يعتبرون محاربون"، والمادة 3 التي تنص على "يمكن أن تتألف القوات المسلحة لأطراف النزاع من مقاتلين وغير مقاتلين، ولجميعهم الحق في أن يعاملوا كأسرى حرب في حالة وقوعهم في قبضة العدو".

وأيضاً "ميثاق الامم المتحدة" الذي إعتبر المقاومة حقاً مشروعاً للشعوب وذلك في المادة الثانية منه فقرة (4) والتي تنص على "يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد بإستعمال القوة أو إستخدامها ضد سلامة الأراضي أو الإستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجهٍ آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة" وكذلك المادة (51)، ليس في هذا الميثاق مما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا إعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة"، وقد مارست الدول الاوروبية دعمها للمقاومة في مواجهة النازية، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي قدمت الدعم المادي والسلاح لحركات المقاومة وإعترافها بالمقاومة الفرنسية هي والإتحاد السوفيتي آنذاك قبل انهياره وبريطانيا، وأيضاً دعم الولايات المتحدة الأمريكية لحركات المقاومة في ألبانيا لمواجهة الإحتلال الإيطالي، من خلال تصريح وزير الخارجية الأمريكي في كانون ثاني (1932)، بالقول إذا كانت مختلف الفلسفات القانونية تتحدث عن حق الشعب في الانتفاض في وجه حكومته فمن باب أولى الإعتراف بحقه في ثورته ضد قوة غريبة تحتل أرضه.
بالإضافة إلى المعاهدات والإتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان حيث نجد بأن هناك العديد من المؤتمرات التي عُقِدَت، والتي أكدت على أهمية الإلتزام بالإتفاقيات الموقعة وخاصة إتفاقيات جنيف الأربعة، وكذلك القوانين الدولية والملاحق والبروتوكولات الإضافية، الأمر الذي دفع لصدور قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة برقم (2674 لسنة 1970)، حيث أعلن القرار أن الدول التي تخترق إتفاقيات جنيف والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان يجب أن تُدان، وتقع تحت طائلة المسؤولية أمام الجماعة الدولية، وأكد أيضاً على أن الأشخاص الذين يقومون بأعمال المقاومة في مواجهة الإحتلال يجب أن يُعَاملوا كأسرى حرب، وكذلك القرارات التي صدرت عام (1975)، والتي أكدت على حق الشعوب في ممارسة النضال بكافة أشكاله في مواجهة الإحتلال سعياً للحرية والتحرر، بما في ذلك الكفاح المسلح وغيرها من القرارات الأخرى.
وبمطابقة هذه النصوص والقرارات وغيرها على واقع الشعب الفلسطيني الذي تعرض للإحتلال الصهيوني على مدار سبعة عقود متواصلة، تخللها مسيرة كبيرة من النضال الوطني ومقاومة الإحتلال بكافة الوسائل المتاحة، الأمر الذي أدى إلى إعتقال الألاف وإستشهاد الألاف أيضاً من أبناء الشعب الفلسطيني، وتهجير وتشريد وتشتيت أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني مشتتين في بلاد العالم، ولكن بالتركيز على قضية الأسرى سنجد بأن إحدى الإحصائيات تحدثت عن وصول عدد الأسرى الفلسطينيين الذين تعرضوا للأسر والإعتقال على أيدى قوات الإحتلال الإسرائيلي لأكثر من مليون فلسطيني، وهذا الأمر منذ بداية الإحتلال للأراضي الفلسطينية عام (1967)، في ظل ظروف إعتقاليه لا يمكن القبول بها، بل أنها بعيدة كل البُعد عن أدنى حقوق الإنسان، في مخالفةٍ واضحة وصريحة لميثاق الأمم المتحدة وكذلك إتفاقية لاهاي، والقانون الدولي الإنساني، واتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، وقرارات الشرعية الدولية وعلى راسها قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي توجب على دولة الإحتلال معاملة الأسرى كأسرى حرب وتوفير كافة الحقوق والمتطلبات اللازمة لهم وفقاً لما نصت عليه إتفاقية جنيف الثالثة الخاصة بمعاملة لأسرى الحرب، وعلى هذا الأساس يُثار التساؤل هنا هل ستقوم الدول الأعضاء بميثاق الأمم المتحدة والدول الموقعة على اتفاقيات جنيف الاربعة بالدعوة لعقد مؤتمر لمحاسبة الدولة التي لم تلتزم بما ورد بتلك المواثيق والإتفاقيات الدولية، أم لأنها دولة الإحتلال فلا مجال لمحاسبتها؟، والسؤال الأخر لماذا لا تعترف الدول بشرعية النضال والمقاومة الفلسطينية في ظل أنها إعترفت بذلك وقدمت الدعم المادي والعسكري وفرضت العقوبات الاقتصادية والسياسية على الدول التي إنتهكت ميثاق الامم المتحدة وارتكبت مجازر وجرائم بحق الإنسانية وجرائم حرب والتي تحتل دول أخرى، واـخرها الإعترافات والدعم المُقدم لأوكرانيا في مواجهة روسيا، في ظل معاناة وإحتلال وجرائم ترتكب على مدار (74) عاماً، ولم يتم التحرك، بل البعض يذهب لمحاولة وصمها بالإرهاب ووصف الأسرى بالإرهابيين؟، أم أن سياسة الكيل بمكيالين لا زالت تتواصل في ظل عالم متغير بما يهدد مستقبل النظام الدولي والعلاقات الدولية وإشاعة الفرقة وسياسة التمييز العنصري الذي يستند للجنس واللون؟.
إن الأسرى الفلسطينيون والشعب الفلسطيني يقاومون احتلالاً مستمراً، وذلك بإعتراف المجتمع الدولي بكل مؤسساته ودوله ومنظماته وشخوصه، لذلك حق الشعب الفلسطيني مشروع بالمقاومة، وأسراه هم أسرى حرب ومقاتلي الحرية ينطبق عليهم القانون الدولي وكافة الإتفاقيات والمواثيق والقرارات الدولية، وهذا ليس تفسيرا منا كفلسطينيين بل حقاً اقرته دول العالم مجتمعة في وثائق واتفاقيات مكتوبة وملزمة.
ثانياً: الأسرى الفلسطينيون وفق القانون الدولي والإتفاقيات والمواثيق الدولية وحقوقهم
يتم تعريف أسرى الحرب على أنهم "الأشخاص الذين يتم إلقاء القبض عليهم مؤقتاً من طرف العدو في نزاع مسلح ليس لجريمة ارتكبوها، وإنما لأسباب عسكرية"، حيث أن هذا التعريف يضمن للعسكريين من رعايا الدول المتحاربة وللأفراد المدنيين الذين يكتسبون هذه الصفة من القانون الدولي إذا ما وقعوا في قبضة الخصم الإنتفاع من وضع أسرى الحرب، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى يجعل عملية الأسِرْ مجرد إجراء مؤقت، بإعتبارهم أشخاص محتجزين، لا لإرتكابهم أفعال مجرمة، وإنما نتيجة أعمال يجيزها القانون الدولي، وحمل هؤلاء الأشخاص لصفة أسير الحرب يقتضي بالضرورة واجب المعاملة الإنسانية لشخصهم وحمايتهم من الإعتداء والتمتع بالضمانات والإمتيازات المقررة بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني، كما نص البروتوكول الأول لسنة (1977م)، الملحق بإتفاقية جنيف لعام (1949م)، بأن المنازعات المسلحة التي تناضل بها الشعوب ضد التسلط والإحتلال الأجنبي وضد التفرقة العنصرية وممارسات الشعوب لتقرير مصيرها، تُعَد ممارسات دولية مشروعة، ويُعْتَبر أحد أفراد هذه الشعوب لو وقع تحت قبضة الطرف الأخر أسير الحرب.
• حقوق أسرى الحرب
الحماية المقررة لأسرى الحرب: فقد حددت إتفاقية جنيف بداية الأسر بأنه "الوقت الذي يقع فيه الأسير تحت سلطة دولة العدو، وتعتبر الدولة المتعاقدة مسؤولة عن الأسرى"، إذ يُحَرَّم على أي طرفٍ من الأطراف المتحاربة قتل المقاتلين النظاميين للخصم بمجرد أن يكفوا عن القتال، رغماً عنهم، كما يُحَرِم قتلهم إذا ما ألقوا سلاحهم بإختيارهم للعدو، وذلك حسب ما جاء بالمادة (19) من اتفاقية جنيف الثالثة).
من الطبيعي أن تحاول السلطات الآسِرة الحصول على معلومات من الأسرى، ولهذا السبب فقد حدد القانون الدولي الإنساني الإطار العام لهذا الاستجواب بما يلي:
 بينت اتفاقية جنيف الثالثة بأنه لا يجوز للدولة الآسِرة ممارسة أي تعذيب بدني أو معنوي أو أي إكراه على أسرى الحرب أثناء إستجوابهم، لإستخلاص المعلومات منهم، ولا يجوز تهديدهم إذا ما إمتنعوا عن الإجابة، أو تعريضهم لأي معاملة سيئة، كما يجب أن يتم الاستجواب بلغة يفهمونها، ويتعين تسليم أسرى الحرب العاجزين عن الإدلاء بمعلومات عن هويتهم بسبب حالتهم البدنية أو العقلية إلى قسم الخدمات الطبية.
 وتنص المادة (13) من إتفاقية جنيف الثالثة على أنه يجب معاملة أسرى الحرب في جميع الأوقات معاملة إنسانية، وحذرت الإتفاقية أن يكون الأسرى موضعاً لتجارب علمية أو طبية من أي نوع، كما لا يجوز تعريض حياة الأسرى أو صحتهم للخطر، كذلك الحق بإحترام الشخصية والشرف، وذلك بإحتفاظ الأسرى بكامل أهليتهم المدنية التي كانت لهم قبل وقوعهم في الأسر، وكذلك يجب معاملة النساء من الأسرى بكل الإعتبار الواجب لجنسهن فيعزلن عن الرجال، وتراعي ظروفهم الصحية مع التأكيد على المحافظة على شرفهن، وتلتزم الدولة الحاجزة بتوفير الرعاية الصحية والغذائية لأسرى الحرب على الوجه التالي: (توفير الطعام والملبس بالقدر الكافي مجاناً. تقديم العناية الطبية التي تتطلبها الحالة دون مقابل.إتخاذ كافة التدابير الصحية الضرورية لتأمين نظافة المعسكرات، بالإضافة إلى إجراء فحوصات طبية للأسرى مرة كل شهر، وذلك من أجل مراقبة الحالة العامة لصحة الأسرى ونظافتهم، وكشف الأمراض المعدية).
بالنظر إلى الاأوضاع التى يعيشها الأسرى الفلسطينيون، سنجد بأن دولة الإحتلال غارقة في الإجرام وإنتهاك المواثيق والإتفاقيات الدولية كونها تمارس أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي على الأسرى الفلسطينيين، وتحرمهم من أبسط متطلبات الحياة، هذا الأمر الذي يُمَارس وبشكلٍ ممنهج من قِبل سلطات الإحتلال الإسرائيلي، ووفقاً لما أوردناه بما يتعلق بالنصوص القانونية، وما ورد بالإتفاقيات نجد بأن الفلسطيني الأسير لدى دولة الإحتلال ينطبق عليه وصف أسير الحرب ولكن دولة الإحتلال بِغَيِها وبقضائها الفاسد الذي لا علاقة له بالقانون والقضاء ومبادئ العدالة، بل يسير وفق النهج الإحتلالي من خلال ممارسته وتنكره لأبسط قواعد المحاكمات العادلة، والتي هي أساساً غير قانونية بإعتبار أن من يقوم بالمحاكمة هي سلطات الإحتلال بحق أسرى يقاومون الاحتلال، وفقاً للقانون الدولي وإتفاقياته ومواثيقه، بالإضافة إلى الممارسة غير الشرعية بحق ستة ألاف أسير فلسطيني يقبعون في سجون ومعتقلات وزنازين الاحتلال، في ظل ظروف قهرية وغير أدمية، الأمر الذي أدى إلى العديد من الثورات داخل أسوار المعتقلات والسجون، في محاولةٍ من الأسرى لتحسين أوضاعهم التي يعيشونها في ظل سلطات فاشية، بالإضافة لأكثر من سبعمائة معتقل إدارياً دون محاكمة أو تهمة توجه إليهم في مخالفةٍ واضحة للقانون الدولي، وبمطابقة ما ورد من نصوص مع ما يُمَارس على أرض الواقع سنجد بأن مسؤولية دولة الإحتلال عن الأسرى تتجسد في المزيد من الاعتداءات عليهم، وممارسة القمع بحقهم، وإستخدام الأسلحة والغاز المحرم في قمعهم، وإطلاق الكلاب البوليسية، وممارسة العزل والحبس الإنفرادي العقابي، والذي يستمر لسنوات في بعض الحالات وتحويل المعتقلات والسجون إلى باستيلات فاشية في محاولةٍ للقضاء عليهم، دون أدنى مسؤولية من قبلها تجاههم، ومارست دولة الإحتلال القتل بحق الأسرى أثناء القبض عليهم أو إعتقالهم من منازلهم، حيث تعرض العديد منهم للتصفية الجسدية وذلك بعد أن يتم إلقاء القبض عليه، أو إصابته، حيث لا تسمح قوات الإحتلال لسيارات الأسعاف لإسعافهم، أو نقلهم إلى المستشفيات، بل وإختطافهم، من على أسرة المرض، فإستشهد العديد من الأسرى أثناء قمع الإحتلال لهم فمنهم أسعد الشوا الذي قُتِل برصاص قائد المعتقل بسجن النقب، وغيره الكثير من الأسرى الذين إستشهدوا في مواجهات مع سجانيهم، وأما عن التعذيب فهنا الحديث يطول، فلم تترك سلطات الإحتلال وسيلة تعذيب، إلا ومُورِست بحق الأسرى من الضرب، والشبح، والجرح، والإعتداء، والخنق، والتعذيب بالكهرباء، والتقييد لأيام، وعدم النوم، ومنع الأكل والشرب، والتهديد بالقتل، والإعتداء على أسرة الأسير، والتعذيب المعنوي، ومحاولات التشويه والإستغلال والابتزاز، والتهديد بالشرف والسمعة، ومحاولات الحصول على إعترافات بالإكراه، والضرب في المناطق الحساسة، ومنع الزيارات والحبس الإنفرادي "العزل"، وإستخدام أدوات الترهيب، كل ذلك يُمَارس على الأسرى الفلسطينيين، وتعريض صحتهم للخطر من خلال إستخدام الغاز السام، ورشهم به، ومنع العلاج عنهم، ونشر الأمراض بين الأسرى وأزمة كورونا شاهدة على ذلك، وبالإضافة للأمراض المزمنة والجلدية، ومنع نقلهم للمستشفيات والتكفل بعلاجهم، حتى إستشهد العديد منهم نتيجة أمراض خطيرة ومزمنة ونتيجة للإهمال الطبي، حيث لا إحترام أو معاملة إنسانية للأسرى، ومن ضمنهم النساء الأسيرات، والتي جزء منهن وضَعت مولودها بداخل الأسر، ومنهم من تعرضت صحتها للخطر، نتيجة الإهمال الطبي ومنهم من حُرِمت من إحتضان أطفالها ، مع تنكر سلطات الاحتلال، لتوفير الرعاية الطبية الحقيقية والصحية للمرضى وعلاجهم، فأُصِيب عدد كبير منهم بأمراض خطيرة ومزمنة، ومنهم من تعرض لأمراض نفسية نتيجة العزل الإنفرادي، فلم تشفع طفولة أحمد مناصرة له عندما خضع للتحقيق والترهيب، ولا زال يعيش بعزل إنفرادي، مما أثر على وضعه النفسي، وكذلك الأسير ناصر أبو حميد الذي يعاني من مرض السرطان، وأيضاً شيخ الأسرى فؤاد الشوبكي الذي تجاوز (85) عاماً، والمئات من الأسرى الذين خرجوا بعد الأسر وإستشهدوا، حيث تتعمد إدارة السجون قتلهم بشكل بطيء، من خلال عدم توفير الطعام المناسب لهم، وعدم توفير الملابس، وعدم صلاحية السجون والمعتقلات لوضع أسرى بهم، ففي حر الصيف يحرقون، وفي برد الشتاء يموتون برداً، والأكثر من ذلك عنما تقرر محاكمهم قوانين وتتخذ قرارات بالسماح بتعذيب الأسرى، كالقرارات التي أصدرتها المحكمة العليا الإسرائيلية عام (1996)، بالسماح لضباط الشاباك إستخدام التعذيب وأسلوب الهز العنيف، وذلك للحصول على إعترافات وإستخدام عقاقير طبية محرمة دولياً لإنتزاع الإعترافات منهم، وممارسة التجارب الطبية عليهم باعتراف وزارة الصحة الاسرائيلية في مخالفة واضحة لإتفاقيات جنيف وإتفاقية مناهضة التعذيب، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ولكن أمام دولة الإحتلال يتجمد المجتمع الدولي أو يُصاب بحالةٍ من فقدان الذاكرة، أو بحالةٍ من العمى المؤقت، لكي لا يروا ما ترتكبه وما تمارسه دولة الإحتلال من جريمة كبرى، تُعَد جريمة ضد الإنسانية، وجريمة حرب، وجريمة إبادة تستهدف أبناء الشعب الفلسطيني، فاستشهد اكثر من (230) أسيراً في سجون الإحتلال دون أن يُحَرْك ساكناً في هذا الأمر من قِبل المجتمع الدولي أو منظماته، وإن كانت على إستحياء بذلك.
من خلال ما سبق يتبين أن سلطات الإحتلال الإسرائيلية تنتهج العكس تماماً لما نصت عليه إتفاقيات جنيف لعام (1949)، والبروتوكول الإضافي الملحق بها لعام (1977)، في تعاملها مع أفراد المقاومة الفلسطينية، وهنا يكون السؤال هل الدول المُوقِعة على هذه الإتفاقيات:
• لا تعلم عن تلك الممارسات؟، أم أنها تغمض أعينها وتغلق اذانها؟
• إلى متى حالة الصمت على تلك الممارسات في ظل إشتعال السجون والمعتقلات، من خلال الإعلان عن الإضرابات، حيث لا يملك الأسرى سوى أمعائهم الخاوية لكي يحاولوا تحسين ظروف اعتقالهم؟
• هل الجريمة التي تُرْتَكب بحق الأسرى والتي تأتي في إطار جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وفقاً لنظام روما الأساسي الخاص بمحكمة الجنايات الدولية، لا تستدعى وقفة من قِبل مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان والهيئات والمؤسسات الدولية، وتجريم دولة الإحتلال ومحاسبتها على تلك الجرائم؟
• أليست هذه الحقوق الواردة والتى تم ذكرها تشكل في حال إنتهاكها جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية فهل سَتُحَاسب دولة الإحتلال وقادتها على تلك الجريمة بتحريك الملف من قِبل المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية؟
ثالثاً: الخطوات الواجب اتخاذها لنصرة الأسرى وتدويل قضيتهم:
• إستمرار حالة الحراك الشعبي والسياسي والدبلوماسي والقانوني والمؤسساتي، لإبراز قضية الأسرى ومعاناتهم المتكررة والمتجددة والمستمرة، فهم أيقونة النضال الفلسطيني، وعنوان الصبر والصمود والتحدي، وأصحاب الإرادة الفولاذية، التي تقهر ظُلمة السجن والسجان.
• يتطلب العمل مع دول المنظومة والمجتمع الدولي، لدعم الموقف الفلسطيني في التصويت بالأمم المتحدة لأخذ الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية حول قضية الأسرى، وموقفهم القانوني، وتشكيل محكمة خاصة للنظر في إنتهاكات وجرائم الإحتلال باتجاه الأسرى الفلسطينيين، والعمل على الطلب من الدول المتعاقدة على إتفاقيات جنيف للنظر في إنتهاك دولة الإحتلال لهذه الإتفاقيات ومحاسبتها وفقا لنصوص الإتفاقية.
• العمل مع المحكمة الجنائية الدولية، حيث هناك ملف قُدِم أمام المحكمة الجنائية الدولية بعد قبول عضوية دولة فلسطين بها في نيسان (2015)، يتعلق بالأسرى ومعاناتهم داخل سجون ومعتقلات الإحتلال وما يتعرضون له بشكل مخالف للإتفاقيات والمعاهدات الدولية ويشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية والاسراع فى التحقيقات واستدعاء الجناة من قادة الاحتلال.
• الذهاب إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لطلب الرأي الاستشاري للنظر في قضايا تتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإعطاء رأي قانوني إستشاري فيها يحدد المكانة القانونية للمعتقلين والمحتجزين الفلسطينيين لدى دولة الإحتلال، وتحديد طبيعة المسؤولية القانونية التي تفرضها قواعد القانون الدولي على المحتل في هذا الشأن، وأيضاً مسؤولية الأطراف الثالثة تجاه الممارسات الإسرائيلية المتعلقة بالمحتجزين، وهذا التوجه مهماً بل وضرورياً لحسم الجدل القانوني حول الكثير من القضايا المتعلقة بموضوع الأسرى الفلسطينيين المحتجزين بمعتقلاتها وسجونها.
• اللجوء إلى محاكم الدول الأعضاء في معاهدات جنيف، حيث بموجب المادة الأولى من معاهدات جنيف فإنه يقع على عاتق الدول الأعضاء محاسبة أية دولة تقوم بخرق قواعد هذه الإتفاقيات ومحاكمة الأشخاص الذين تعتبر أفعالهم جرائم بموجب هذه الإتفاقيات.
• اللجوء للمحاكم الوطنية لبعض الدول، التي نصت قوانينها الخاصة على سريان هذه القوانين على الجرائم التي تُرْتَكب بأي مكانٍ في العالم مثل جرائم التعذيب والحجز التعسفي......إلخ، حيث يمكن التوجه إلى هذه المحاكم والاستفادة من قوانينها الخاصة وذلك لملاحقة سلطات الإحتلال على الجرائم التي ترتكبها بحق الأسرى الفلسطينيين.
• يمكن الطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة إتخاذ قرار بناء على المادة (،22) من ميثاق الأمم المتحدة بتشكيل محكمة خاصة، للنظر في جرائم إسرائيل بما في ذلك في حق الأسرى والمعتقلين، خاصة وأن مثل هذا القرار ممكن بالأغلبية.
• هناك آليات أُنْشَات بموجب معاهدات حقوق الإنسان لمتابعة تنفيذ بنود مجموع المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، وأربعة من هذه المعاهدات تختص بالإنتهاكات التي يتعرض لها الأسرى الفلسطينيين، منها لجنة حقوق الطفل، ولجنة مناهضة التعذيب، واللجنة المعنية بحقوق الإنسان، وهنا لا بد من العمل من خلال المؤسسات والهيئات الحقوقية الوطنية والإقليمية والدولية، لتوضيح وتوثيق جرائم الإحتلال وإنتهاكها للإتفاقيات الدولية من خلال ما يُمَارس بحق الأسرى من جرائم وما يعايشونه من ظروف تتناقض كلياً مع التزامات دولة الإحتلال وإنضمامها للإتفاقيات والمواثيق الدولية وتعهداتها بتنفيذها وتطبيقها.
• اللجوء إلى مجلس حقوق الإنسان الدولي، وذلك من خلال المقررين الخاصين (الموضوعيين أو القطريين)، فحياة الأسرى الفلسطينيين تُنْتَهك بشكلٍ مبرمج ومتواصل منذ لحظة إعتقالهم، حيث أن الكثير من هذه الانتهاكات تقع ضمن نطاق عمل المقررين الخاصين والذين يتابعون الإنتهاكات التي يتعرض لها الإنسان كل في مجال اختصاصه، وذلك من خلال الشكاوى الفردية للأسرى وأُسَرِهم ومحاميهم، لتوثيق الانتهاكات التي تعرضوا لها أبان عملية الأسر من قبل سلطات الإحتلال.
• دعوة الأطراف السامية المتعاقدة في إتفاقية مناهضة خطف الرهائن في نيويورك عام (1979)، بعقد إجتماع لهم في المقر الأوروبي للأمم المتحدة، لإرسال لجنة تحقيق بشأن إختطاف قوات الإحتلال للفلسطينيين لتحقيق هدف سياسي من الخطف، وهو ما يُعد الصورة النموذجية لجريمة إختطاف الرهائن، ووفقاً للإتفاقية تُعَد جريمة إرهاب دولي، وتستوجب الإتفاقية إخلاء سبيلهم فوراً، ومحاكمة من قام بإختطافهم، وعلى الدول الأطراف السامية بعد وصول تقرير لجنة التحقيق إليها، إما إن تشكل محكمة خاصة لمحاكمة من قام بإختطافهم إو إحالتهم إلى محكمة الجنايات الدولية، عملاً بالبروتوكول المبرم بين المحكمة والأمم المتحدة.
ملاحظة: محاولات دولة الإحتلال تصوير الأسرى الفلسطينيين بأنهم إرهابيون وتمارس الإبتزاز المالي بالخصومات الشهرية من الأموال الفلسطينية أمراً معيب، يضع كل مناضلي الحرية وأصحاب الثورات على الإحتلال والإستعمار فى العالم ضمن قائمة الإرهاب، فإذا كان مناضلي وأسرى الشعب الفلسطيني إرهابيون فليتم إزالة كافة نصب الإنتصار والثوار والإحرار وأقواس النصر والحرية من كل مكان بالعالم، ولتوصم ثورات العالم بالإرهاب وثوراها وقادتها إذا قبلت دول العالم الحر أصحاب الحرية وشعاراتها ونضالها بذلك ولم يحركوا ساكناً لنصرة أسرى الحرية والشعب الفلسطيني.

اخر الأخبار