بشار الصلح

تابعنا على:   08:54 2022-02-13

محمد شريف كامل

أمد/ فقدان بشار الصلح حدث شديد وثقيل على نفوسنا وقلوبنا جميعا، وتشيعه لمثواه الأخير أشد وأقصى شيءٍ مر علي وعلى الجالية بأجمعها منذ زمن طويل.

بشار كان الطبيب المهني الخلوق لكل مرضاه، وكان الأنسان الحرالمخلص لكل مجتمعه وللجاليه العربية والأسلامية، وكان شريك كفاح طويل في المجال الجلوي والانساني، لم يبخل يوما بجهده وكل ما يملك للصالح العام، عملنا سويا قرابة ٣٠ عاما، تحاورنا كثيراً، إختلفنا أحيانا وأتفقنا أحيانا ولكننا كنا قادرين على التوافق وإيجاد المساحة المشتركه.

لقد تابعت في الأيام الماضية كل ما كتب عنه، ولم أجد أي كلمات توفيه ما يستحق، ليس لتقصير من كاتبها، فحتى هذه الكلمات لن توفيه حقه، فما هي إلا خواطر اللحظة التي وجدت أن مشاركتها قد تساعد في إلقاء الضوء على بعض منه، فكل واحد منا قد عرف من بشار جزء ضئيل عبر المجال الذي تعامل معه من خلاله، فلا ولن يستطع أي شخص أن يحصرعطائه وإخلاصه وتفانيه.

فلا يوجد بيننا من يعرف كم هي ألاف الساعات التي فتح صدره وقلبه لمن أحتاج لصدر يتسع لمشاكله وعقل ينصح بتواضع، كان يقوم بذلك الدور مع مرضاه كطبيب، مع كل من حوله كصديق، ومع شركاء النشاط الجلوي كشريك، كم حمل هذا الرجل من أسرار لم يؤتمن إلا هوعليها، ولا يمكن أن يتحملها إلا هو.

لا أستطيع أن أدعي أنني أعرف كل شيء عنه، ولا أحد يستطع، ولا أنني أتفقت معه في كل شيئ، ولكني أعتقد أنني من المحظوظين بأن كُتب لي أن أعرفه وأعمل بالقرب منه في كثبر من الأعمال، وقد بدأت رحلتي معه عبرقرابة ثلاثة عقود مرت بمراحل عديدة، فبداية لقائي به كانت من خلال المنتدى الأسلامي الكندي عقب تأسيسيه له بفترة وجيزة وعملنا معا على ملفات شائكة، على المستوى المحلي في كيبيك وعلى مستوى كندا وعلى المستوى الدولي.

فعلى المستوى المحلي مثَل بشار ضمير الجالية وصوتها العاقل وعمل جاهداً على تصويب البوصله، فكان الصوت الرزين في المجلس الوطني بكيبيك ونحن نواجه محنة ما عرف بتطوير التعليم في نهاية القرن الماضي، والحملة الشرسه ضد المرأة المسلمة والحجاب بل وضد الاسلام، وكان صوت قوي للجالية أمام لجنة تقصي الحقائق "بوشارد - تايلور".

لقد شارك بشار بقوة في وضع الجالية على الخريطة السياسية من خلال سياسة الإنفتاح على كل الأحزاب السياسية المحلية والقوميه بدون تفريط في الحق والعدل ودون الارتماء في أحضان أي حزب، وعمل بكل جد لتشجيع أبناء الجالية على المشاركة في العمل العام والخوض في مجال العمل السياسي والحزبي.

لقد تميز بشار على الكثير في إدراكه أن الأقليات لن تنمو وتزدهر ويتحقق لها الأندماج المنشود إلا من خلال العمل الجاد لتنمية المجتمع ككل والمشاركة الدئوبه ورفض الإنعزال ونبذ عقلية الجتو، لقد قام بدور محوري في لم شمل الجالية عقب هجمات سبتمبر للتصدي لحملة الكراهية، ومثَل الجالية الاسلامية خير تمثيل حين ترأس المؤتمران الصحفيان القوميان اللذان تم إذاعتهما عبر كل الأذاعات المسموعة والمرئيه في جميع أنحاء كندا من الشرق للغرب حين كادت أزمة الكاريكاتير المسئ تطيح بالجالية الإسلامية وحين كادت الاتهامات المكذوبه فيما عرف بخلية الـ17 بتورونتو ككجزء من الحملة الظالمة المسيئه لكل الجالية العربية والإسلامية.

لم يغب بشار الصلح عن المشاركة في وضع حجر الأساس لحركة رفض العدوان على العراق ولبنان ولم يتأخر عن الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني والروهيىنغا والإيغور، ولم يتقبل أبدا الوجه العنصري لكندا خاصة فيما يخص الشعب الأصلي لشمال أمريكا، وأمتد دوره من خلال حركة المواطنة التي تحمس لها وساهم في تأسيسها ووضع أسس رؤيتها للعمل على مواجهة التفرقة العنصريه وإنتهاك حقوق الإنسان في كل مكان والتي كانت من أواخر أعماله التي ستظل تحمل أسمه وتدين له بالفضل وتسير على نهجه إحياءاً لذكراه.                

ولم يتوقف دوره عند العمل العام والعمل الطبي، بل مثل بشار الصلح لكل شخص من الجالية العربية والأسلاميه دورهام على المستوى الشخصي، فكان لهم الأب والأخ والجد، ولم يفرق يوما بين الطوائف ولا الأصول العرقيه، وعمل دوما على التقارب الجلوي وتوحيد قوى الجاليه، فتطابقت أعماله على أرض الواقع وأفكاره ومبادئه.

وعلى المستوى الشخصي جمعني وبشار الصلح دوما الحب والاخوة والاحترام المتبادل وبقي ذلك هوسبيلنا للحوار والعمل المشترك، أشهد انه لم يقصر يوما، ولم يتردد يوما في المضي في طريق الحق والخير ومد يد العون لكل انسان، لقد فقدت فيه كل هذا، والأهم أنني فقدت فيه الصديق والاخ الذي لم تلده أمي.

رحم الله بشار الصلح الذي شرفت به مونتريال، وألهم زوجته وأبنائه الصبر والإحتساب في رجل لا يعوض، عزائهم وعزائنا فيه أنه ترك عشرات الألاف يدعون له ويفخرون به، ولله ما أخذ ، ولله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلنصبر ونحتسب، وندعوا الله ان يرحمه ويسكنه فسيح جناته وأن نتحثث خطاه علنا نلحق به.

اخر الأخبار