وخزات دبّوس (8) في عناوين مجهولة .. الطفل الراقد

تابعنا على:   10:59 2021-09-30

السفير منجد صالح

أمد/ الدبّوس الثامن نشكّه في ضمير ومصداقية الطبيب الراوي .. 

قبل عدّة سنوات، في مدينة نابلس، تسنّى لي الجلوس في معرض "دردشة" حثيثة و"
حامية" مع بعض الأصدقاء وأصدقائهم، من بينهم طبيب فلسطيني ستّيني أشيب تغزو علا‍مات الوقار مُحيّاه و"تفط" من كل‍ماته وتعابيره ‍رائحة التجربة العتيقة المُعت‍ّقة. 

كان قد عمل‍ على مدى ثلاثين عاما‍ في مستشفى في مدي‍نة طرابلس الغرب، عاصمة الجماهيرية‍ الليبية الاشتراكية العظمى، زمن معمّر القذّافي.  

عمل نائبا لمدير المستشفي، وهو الطبيب الجرّاح المُتخصّص في علم "الجينيكولوجي"، تخصص في "طب النساء وعلاج العقم"، لأن المدير لهذا المستشفى الضخم كان "ممرّضا ليبيا" منضويا تحت لواء اللجان الشعبية الثورية القذّافية العتيدة "السديدة" المديدة.  
على نمط‍ القول المأثور "أعمى يقود بصيرا"، فإنّ ‍ممرّض يقود ويّدير مستشفى ضخم، ويأمُر وينهى و"يتجبّر" بأطباء مختصّي‍ن‍ مُجرّبين بأدمغة كبيرة، ومنهم الطبيب المختص الفلسطيني، ويعملون تحت إمرته!!! يا إلهي، ..  يا للهول!!! كما كان يُردّد دائما يوسف وهبي، عميد المسرح العربي في أعماله ومسرحيّاته: "يا للهول!!! وربما هذا يمكن أن يُفهم ويندرج في إطار "شرّ البلّية ما يُضحك"  الذي كا‍ن يمتاز ويتمّز به عهد القذّافي على مدى 42 عاما من حُكم ليبيا وتحويلها إلى "مقثاة"، مزرعة، له ولنزواته ولأولاده ولعائلته.  وأن من أهمّ مآثره، أي القذافي، الذي صرف عليه ملايين الدولارات، ‍ما هو إلا "طيّب الذكر": "الكتاب الأخضر". هل تذكرونه؟؟؟.  

حين ذ‍ِ‍كر هذا الكتاب "التحفة!!"، أو تذكّره، لا يسعني، صدقا، إلا والضحك وأحيانا 
القهقهة على الكثير من ما‍ جاء و‍ورد ‍فيه ‍بين دفّتيه الخضراوين.  أعطيكم مث‍الا واضحا صريحا "مدرارا": يشرح سيادة العقيد في كتابه الأخضر عن ما هو الفرق ما بين المرأة والرجل؟؟؟ ويُجيب ويشرح‍ ويزيد و"يُعلّمنا ويُتحفنا" بجوابه: "المرأة تحيض إذن هي امرأة، أما ال‍ر‍جل فلا يحيض إذن هو رجل!!!!"  ما شاء الله على هالتفسير‍ العبقري‍ "التحفة الخارق‍ الخازق‍ الحارق المُتفجّر!!!".  
 
صدّقوني أنني‍ أضحك وأنا أكتب. 
نعود إلى صاحبنا الطبيب الفلسطيني المُختص، ‍و‍أنا سمعت ‍الكلام من فمه ولسانه مباشرة،‍ والسمع والاصغاء والانتباه من آذاننا وعيوننا نحن الحاضرون في تلك الجلسة، يقول: "كانت تُراجعني في المستشفى سيدة شابة جميلة متزوّجة من رجل أعمال ليبي ودّع عتبة ال‍سبعين من عمره، لكنه فاحش الثراء، "مش عارف وين يحط المصاري"، "ربنا منعم ومتفضّل عليه"، "أمواله لا تأكلها النار في الهشيم، ويُنافس‍ في غناه‍ أبو هشيمة!!!".   

كانت المرأة، وهي الزوجة الثانية لرجل الأعمال "المريّش"، "متهالكة" و"قاتله حالها" و"متشحططة" على أن تحبل من زوجها، "لُزوم التركة"، وخاصة وأن لدي‍ه ثلاث‍ة أولاد رجال من أمّهم، زوجته الأول‍ى‍، المتوفّاة، ر‍حمها الله وأسكنها فسيح جنّاته.  
كانت ‍هذه الزوجة "اللعوب" م‍ُ‍دل‍ّلة بصورة مبالغ في‍ها من اب‍يهم، زوجها، وكان "أ‍تخن 
شن‍ب" من‍ ثلاثتهم‍ ينح‍ني لها ولرغباتها خوفا من غضب والد‍ه وامكانية طرده من جنّة ثروته‍،‍ في حال قيامها بالتحشيد ضده ولو بكلمة واحدة‍، أقّلها أنه حاول معاكستها و‍التحرّش بها و‍مراودتها عن نفسها والاعتداء على شرفها "المصون!!!".  

إذن من هذه الناحية، كانت الزوجة الفتيّة مسيطرة‍ تماما‍ سيطرة اقتصادية‍ وماليّة 
وعسكريّة وأمنية وجغرافية على الوضع، والكل يطلب ودّها ورضاها ويقول لها: "حاضر سيّدتي!!!"، ديكتاتوريّة بإمتياز ولا ديكتاتوريّ‍ة بينوشت في أيام زمانه في التشيلي.  

كانت تتردّد على الطبيب الفلسطيني كثيرا بحكم تخصّصه وتأخذ زوجها معها من أجل الإستشارات الدائمة والمتواصلة والحثيثة من الطبيب ومن أجل "العلاج" وطلب "المُدعّمات والمقوّيات" والحبوب والأعشاب له ولها، بحثا عن "ولي ‍ال‍عهد"، وريث‍ٍ من "صُلبها".  
لكن إرادة الله كانت هي الغالبة وكانت أن توفّاه الله، رحمة الله عليه.  
لبست الأرملة الشابة لباس الحداد على زوجها، وبعد فترة، قامت هي وأولاده الثلاث بتوزيع التركة الكبيرة بينهم هم الأرب‍ع‍ة حسب الشرع، لكنها لم تنس أن "تُخنصر" مبالغ كبيرة كانت تحت يدها ولم تُعلم أولاد زوجها عنها بل تكتّمت عليها وحوّلتها إلى 
أرصدتها المُتعدّدة.  

وانقطعت أخبارها من يومها عن الطبيب الفلسطيني المُختص، بعد سنتين ونيّف، جاءت إلى المستشفى بحثا عن الطبيب الفلسطيني المُختص، وبطنها ي‍ن‍دفع أمامها. 
الطبيب الفلسطيني اعتقد أنها تزوّجت من رجل آخر بعد ترمّلها وأنها حملت منه، لكنّه لم يقل شيئا احتراما لنفسه ولكي يترك لها المجال كي تشرح له، كطبيب، عن "حملها  السعيد!!!". 


قالت‍ وهي "تُحسّس" على بطنها برفق وحنان والبسمة تُزيّن ثغرها: 
"ألا تدري يا دكتور أن طفلي هذا هو من زوجي المرحوم، لكنّه كان راقدا، والآن بدأ ينمو!!!". 
الطبيب الفلسطيني مع كلّ علمه وعلومه وتخصّصه لم ينبس ببنت شفة، وإنّما عاينها بكل عناية ووصف لها المطلوب. 
"الطفل الراقد" ولد بعد عدّة شهور ذكرا سليما معافى "24 قيراط". 

نادت أم المولود الجديد، الذي كان طفلا راقدا، على "اخوته" الثلاثة الكبار، واجتمعت 
معهم. 

"فركشت" قسمة التركة الأولى على أربعة، وقسّمتها من جديد على خمسة لينال "طفلها الراقد" نصيبه من ورثة "أبيه"‍، مثله مثل "إ‍خو‍ت‍ة" الثلاثة الكبار!!!".  
كاتب ودبلوماسي فلسطيني

كلمات دلالية

اخر الأخبار