الانتخابات البلدية في فرنسا.. صعود "الخضر"

تابعنا على:   14:12 2020-07-15

فؤاد محجوب

أمد/ أسفرت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات البلدية في فرنسا (28/6)، عن اكتساح حزب «الخضر» لمدن كبرى كانت تديرها تاريخياً الأحزاب التقليدية، على غرار ليون التي كان جيرار كولومب، أحد أبرز داعمي الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، رئيساً لبلديتها منذ أكثر من 25 عاماً. وبوردو التي ترأّس بلديتها مدةً طويلة رئيس الوزراء الأسبق آلان جوبيه، إضافة إلى مرسيليا.
وأكدت النتائج أنّ «الخضر» باتوا يعدّون الآن أكبر قوّة يسارية في فرنسا التي تسير على خطى دول أوروبية أخرى، يتصدّر فيها أنصار البيئة واجهة المشهد السياسي، بالنظر إلى التقدم والزخم الذي باتت قضية المناخ تحظى به. ويتقدم الخضر في السويد وفنلندا والنمسا، ويحققون صعودا في ألمانيا.
وعلى رغم أن الانتخابات البلدية تكون عادة ذات مدلولات سياسية ضعيفة، إلا أن الأمر مختلف هذه المرّة، حيث أدّت المواقف والقضايا السياسية دوراً مؤثراً. وقد خاض حزب الرئيس ماكرون، «الجمهورية إلى الأمام»، الذي شكّله بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2017، أولى انتخاباته البلدية، بعد أن فاز على نحو مريح سابقاً في الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات البرلمان الأوروبي. لكن نتائجه في هذه الانتخابات جاءت مخيّبة جداً، فخسر مرشحوه أغلب الدوائر التي ترشّحوا فيها، ما عدا مدينة لوهافر التي فاز فيها رئيس الوزراء اليميني السابق، إدوار فيليب.
وعزت متحدثة باسم الحكومة هذه الخسارة إلى انقسامات حزب ماكرون الداخلية، حيث شهدت الأسابيع الأخيرة عدة انشقاقات لنواب من الحزب، أدت إلى خسارته الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية، في حين رأى مراقبون أنّ سياسات هذا الحزب أخذت تقترب أكثر من اليمين، ولم تعد تلتزم السياسة الوسطية التي تبنّتها في البداية.
أما اليمين الديغولي، فقد خسر مرسيليا بعد أن أدارها ربع قرن، متراجعاً أمام كتلة يسارية يُشارك فيها «الخضر». وفي العاصمة باريس، تحالفت رئيسة بلديتها، الاشتراكية آن هيدالغو، مع «الخضر» لتحصل على نسبة 11% إضافية من الأصوات، وتفوز بفارق شاسع عن منافستها من حزب «الجمهوريون» (اليميني)، وزيرة العدل السابقة في عهد نيكولا ساركوزي، رشيدة داتي، (المغربية الأصل)، والتي حاولت التقرّب من طروحات اليمين المتطرّف سعياً إلى كسب أصوات مؤيديهم، فتبنّت خطاباً تحذيرياً بخصوص مسائل الهجرة، وركّزت على ضرورة «حفظ الأمن والنظام» في بعض الأحياء المهملة!.
وما خلا فوزه في مدينة صغيرة قرب الحدود الإسبانية (بيربينيان)، فقد أخفق اليمين المتطرّف، «حزب التجمع الوطني» برئاسة مارين لوبان، في تحقيق أي تقدّم، بعد أن فقد خطابه السياسي المتمحور حول «رهاب الإسلام والهجرة» جاذبيته، وأخذ الناخبون يهتمّون بخطر حقيقي يتمثل بوباء كورونا ، بعيداً من أخطار وهمية ما فتئ هذا الحزب يلعب على وتر التخويف منها.
قراءة في النتائج
وقد سجلت الانتخابات نسبة عزوف عالية عن التصويت بلغت 60% من الناخبين، وهي أعلى نسبة امتناع عن التصويت تسجّل في فرنسا منذ عام 1965. وفسّر البعض هذه الظاهرة بدلالة انعدام ثقة الناخبين بالسياسة التقليدية وأحزابها وممثليها، والميل إلى ممارسة السياسة في الشارع، من خلال الاحتجاجات التي بدأت بـ«الليلة البيضاء» وتلتها «السترات الصفراء»، وأخيراً المظاهرات الحاشدة المعادية للعنصرية ولعنف رجال الشرطة وحفظ النظام.
وأظهرت النتائج أن الاهتمامات البيئية تشكل عنواناً لسياسة بديلة تتقدّم في غير مكان من أوروبا. وقد عزّزت جائحة كورونا هذا الميل البيئي في الأشهر القليلة الماضية؛ إذ شعر الناس بالخطر الذي يتهدّد البيئة، نتيجة عدم احترام الإنسان، بنشاطه الاقتصادي ونزعاته الاستهلاكية، لمخاطر اضطراب المناخ وتلوث الهواء وفقدان التوازن الطبيعي عموماً.
ورجّح المراقبون أن تتبنّى مختلف القوى السياسية في المستقبل، خطابا بيئياً يسعى إلى اكتساب أصوات الناخبين قبل موعد الانتخابات الرئاسية عام 2022. وفي هذا السياق، كان ماكرون دعا 150 مواطنا من قطاعات مختلفة في المجتمع المدني الفرنسي، اختيروا عشوائياً، لمناقشة اقتراحات تحسين البيئة ومواجهة التحديات المرتبطة بالتلوث البيئي والاحتباس الحراري. وقد قدّمت هذه المجموعة 149 اقتراحاً لرئيس الجمهورية، في لقاء واسع سلّطت عليه أجهزة الإعلام الأضواء.
ورأى المراقبون أن هدف ماكرون من وراء ذلك، هو محاولة لـ«سحب البساط من تحت أقدام حزب الخضر، عبر جعل الخطاب البيئي محور اهتمامه»، مُرجّحين أن يتمّ تشجيع المؤسسات المالية الكبرى والشركات الصناعية التي حصلت على دعم حكومي كبير خلال الإغلاق الذي فرضته جائحة كورونا، على الالتزام بالحفاظ على البيئة والتخفيف من الاحتباس الحراري. كما اشترط، على سبيل المثال، على شركات صناعة السيارات الكبرى أن تركّز أكثر على تطوير السيارات التي تعمل بالكهرباء.

اخر الأخبار