المستعمر الجديد

تابعنا على:   11:10 2020-04-07

صلاح صبحية

أمد/ دخل فايروس كورونا عقولنا وبيوتنا دون استئدان منا ، واحتل قلوبنا خوفاً وهلعاً ورعباً ، واستعمر شوارعنا ونصب حواجزه في كلّ مكان ، قوة بيولوجية لا تُرى بالعين المجردة لكن فعلها وآثارها تراه في كل مكان في أرجاء العالم ، فكل واحد منا مكبل بأصفاد هذا الفايروس اللعين الذي لم يُكشف سره كاملاً حتى اللحظة ، وهو الذي جعل الناس جميعاً سواسية أمامه ، لا يفرق بين غني وفقير أو بين مواطن ومسؤول ، ولا يفرق بين أحياء الفقراء وأحياء الأغنياء ، الجميع يجلس في بيته ، يمنع التجوال ليلاً ونهاراً في معظم دول العالم ، فالوضع خطير خطير ، وهو ليس بالأمر الذي يُترك على عواهنه أو لا يتم وضعه على الطاولة لمناقشة جميع جوانبه الصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الأخلاقية .
فايروس كورونا وسيلة الحرب البيولوجية القائمة الآن بين قوى كبرى تتصارع للسيطرة على العالم اقتصادياً ، وهذه القوى لا تخفي ذلك وإن اختلفت طرق التعامل مع هذا الفايروس ، فإذا كان البعض منها يسعى للمحافظة على الإنسان كإنسان ، في حين أنّ البعض الآخر راح يضحي بالإنسان تحت شعار البقاء للأفضل .
فما دامت هي الحرب للسيطرة على العالم فلا مانع أن تزول مجتمعات ودولاً ، فالأخلاق لا مكان لها في الحرب ، وأي قوى تستخدم الفايروس سلاحاً لها فهي تؤمن أن الغاية تبرر الوسيلة وتفخر بذلك وتستحوذ على كل ما يقي الآخرين شر هذا الفايروس الوباء ، فالحرب تدار الآن عبر وسائل الإعلام، فقد أصبح فايروس كورونا هو محور التصريحات الصحفية لكبار المسؤولين في العالم ، وذلك لأنّ هذا الفايروس هو قوة التدمير الشاملة لأوسع مساحة ولأكثر بشراً ولا سيما دخول العامل النفسي كقوة تدميرية للذات البشرية ، فتوقف الحياة بكل مرافقها يعني انهيار الدول مهما كانت تملك من مقومات البقاء ، ولا سيما إنّ الإنسان سوف يتمرد على بقائه في بيته أمام عجز الحكومات عن تأمين متطلبات الحياة اليومية ، وهذا سيقود إلى انهيار الدول من داخلها بسبب عجزها عن امتلاك مقومات وجودها الذي تتمثل في الزراعة والصناعة والتجارة ، فهل سيثور الإنسان ضد الوباء أم ستتحول ثورته ضد الحكومات .
نحن إذا أمام معادلة صعبة إما المحافظة على سلامة الإنسان أو المحافظة على بقاء الدولة ، فأيهما سيضحي بالآخر ، أم إن القوى التي فجرت هذه الحرب البيولوجية ستضحي بالإنسان والدولة معاً وإن دفعت من ذاتها جزءاً ثمن ذلك ، فالغاية تبرر الوسيلة ، فالتضحية بمئات الألوف من مواطنيها مقابل تدمير دول العالم يكون ثمناً زهيداً لذلك ، ويمكن اعتبارهم جنوداً سقطوا في ساحات الحرب ، إنها حرب قذرة والحرب القذرة لا أخلاق لها ، إنه المستعمر الجديد 

كلمات دلالية

اخر الأخبار