الدعاية الإنتخابية ودقة إستطلاعات الرأي

تابعنا على:   14:33 2019-09-14

محمود مرداوي

يُطرح بإستفاضة وفضول؛ هل إستطلاعات الرأي في الكيان دقيقة نظراً لفاعلية المراكز وإهتمام وسائل الإعلام في ترويجها على رأس الساعة الثامنة في النشرات المركزية، واهتمام وثقة الجمهور بنتائجها.

في المقابل الدعاية الانتخابية التي تجريها الأحزاب بتفاوت من بين حزب لآخر تثبت أنها علمية مدروسة بعمق، ويظهر ذلك في التنافس بين المعسكرين اليميني والمركز واليسار ، وما بين الحزبين الكبيرين الليكود وأبيض أزرق وعلى الأحزاب المتوسطة الناهضة التي أثارت الإنتباه وحصلت من البداية على مقاعد أكثر من المتوقع وأكثر من حصتها في الإنتخابات التي سبقت.

الإستطلاعات في الكيان أثبتت على قدرتها وضع المؤشر بالشكل الصحيح، ونسبة الخطأ لديها في حالات قد تودي لتغيير النتائج، لكن لم تغير اتجاهات مطلقاً، وهذا التغيير في النتائج في اللحظات الأخيرة والذي يخدش مصداقية مراكز الإستطلاعات ونتائجها يعود لعدة إعتبارات :

1- في حال كانت المعسكرات والأحزاب الكبيرة متساوية في عدد المقاعد التي تحصل عليها .
2- المتدينون كثير من الذين يُسألون من مؤيديهم لا يجيبون، فتذهب أصواتهم هدراً، لكن في الإنتخابات الحقيقية وعند صندوق الاقتراع يصوتون، فغالباً ما يحصلوا على أكثر مما تمنحهم الإستطلاعات .
3- اليمينيون يكذبون فيبدون تأييداً لأحزاب بقصد التضليل، إما لا تتجاوز الحسم أو في إطار المعسكر اليميني لكن ليس للأحزاب الكبيرة، فيظهر ذلك في صناديق الاقتراع عند النتائج الحقيقية. 
4- اليمين يشكل قبيلة متماسكه ويتوسع في جلب الأصوات إلى جانب الماكنة الرسمية الحزبية والدعائية.
5- اليسار منتمٍ لكنه مرفه، ربما لأتفه الأسباب لا يخرج للإنتخابات، غير متحفز، وغالبية المصوتين للمركز واليسار من الطبقة الوسطى، يخرجون في نزهات خارج الكيان بأعداد تفوق ما تحصل عليه من عدد الأصوات أحزاب وسطى. 
6- الإستطلاعات تحدد إتجاهات وتضبط إلى حد ما عدد المقاعد التي تحصدها الأحزاب، لكن في آخر اللحظات تحدث المفاجآت من خلال مؤثرات داخلية أو خارجية .
7- القتال على الجمهور ما بين مراكز الاستطلاع وماكنة الدعاية لدى الأحزاب، المراكز ترصد الميول لدى الجمهور وتترجمه إلى نسب وعدد مقاعد، والأحزاب تسعى لتغيير الميول إلى الجمهور وتغيير النسب وعدد المقاعد لصالحها. 
8- الجمهور حساس يتابع ويتأثر فيما يجري من دعاية، وما يحصل من أحداث ذاتية من نفس الأحزاب وموضوعية من لاعبين آخرين مثل غزة، حزب الله، ترمب، إيران، الضفة، أو أي حدث يؤثر على الجمهور في أمنه وجيبه .

ومن الشواهد على تأثير دقة الإستطلاعات وقدرة الدعاية ودور الإعلام نسوق الأمثلة التالية:

إنتخابات 2015 كانت النتائج تمنح المركز واليسار تفوقاً على اليمين، لكن نتنياهو بعد وقف الدعاية الإنتخابية وفي اليوم الذي مُنعت المراكز أن ترصد آراء الجمهور قام بتجاوز توجيهات وقوانين لجنة الإنتخابات، ووجه مقطع فيديو يخوف اليمين من أن العرب يتدفقون إلى صناديق الاقتراع من أجل تشكيل حكومة يسارية يكونوا جزءاً من الكابينيت والوزارات السيادية، فكانت نسبة التصويت في المدن التي عُرفت بميولها لليكود في التصويت 29‎%‎ ، فارتفعت نسبة التصويت بعد النداء إلى 61‎%‎ وهذه الأصوات صبت كلها في صالح اليمين فخرجت النتيجة خلافاً لما استشرفوه.

مثال آخر على دقة الدعاية الإنتخابية وعلميتها، أزرق أبيض يدرك أنه إذا دخل في دعاية مفتوحة لرفع رصيد الحزب فقط فسيشرب من قرب أحزاب ذات لونه وتوجهه، الأمر الذي لا يضيف له شيء، فهذه الأحزاب هي جزء من المعسكر، فيضطر إلى توجيه دعايته بشكل محدد لأحزاب لا يضمن موقفها الداعم له مثل "إسرائيل بيتنا" التي رصد لها مقعدين حصلهما ليبرمان من خلال الدعوة لتشكيل حكومة وطنية علمانية، مشدداً على موضوع الدين والدولة في مواجهة المتدينين ، وبذلك أدخلوا التركيز والضوء على هذين العاملين، فاستطاعا استعادة مقعدين في أول استطلاع بعد التغيير والتدوير في دعاية الحزب الانتخابية ، مع إدراك ليبرمان ومحاولة صد الهجوم إلا أنه فشل. 

مثال آخر على قدرة نتنياهو في ضرب مصداقية مراكز الاستطلاع ودقة الدعاية التي يقوم بها وعلميتها، فالدعاية الإنتخابية ليست تهويشاً أو شعارات رنانة وحفلات وأصوات صاخبة، إنما تحديد أنماط تصويت ومحاولة اصطيادها، مستغلاً براعته الإعلامية وقدراته الخطابية وسحر لغته الجسدية، يضاف لذلك طواقم مهنية متخصصة تعمل إلى جانبه ويترجم ذلك عملياً على أرض الواقع . 

فأحياناً يشطب قوائم يعتقد أن بشطبها يرفع نسبة الليكود والمعسكر، وأحياناً يبني أحزاباً ويساعدها في الحصول على مقاعد لا يمكن أن يحص…

اخر الأخبار